سائر الأعضاء. وكيف يصح هذا الكلام على أصلهم ، وهو عندهم في جميع بدن الإنسان ، وهو في أهل الميت ، كما هو في الميت ، فكيف يكون (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) إذا كان معه ومعهم على وجه واحد؟ وهل يكون أقرب إلى نفسه من نفسه ، وسياق الآيتين يدل على أن المراد الملائكة ، فإنه قال (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. إِذْ يَتَلَقَّى ...) الآيتين. فقيد القرب بهذا الزمان ، وهو زمان تلقي المتلقيين ، وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان ، كما قال (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ ...) [ق : ١٨] الآية. ومعلوم أنه لو كان قرب ذات لم يخص ذلك بهذا الحال ، ولم يكن لذكر القعيدين الرقيب والعتيد معنى مناسب. وكذلك قوله في الآية الأخرى (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) [الواقعة : ٨٣ ـ ٨٤] ، فإن هذا إما يقال إذا كان هناك من يجوز أن يبصر في بعض الأحوال ، لكن نحن لا نبصره ، والرب تعالى في هذا الحال لا يراه الملائكة ، ولا البشر. وأيضا فإنه قال (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) فأخبر عمن هو أقرب إلى المحتضر من الناس الذين عنده في هذه الحال. وذات الرب سبحانه وتعالى إذا قيل هي في مكان ، أو قيل قريبة من كل موجود ، لا يختص بهذا الزمان والمكان والأحوال ، فلا يكون أقرب إلى شيء من شيء ، ولا يجوز أن يراد قرب الرب الخاص ، كما في قوله (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) فإن ذاك إنما هو قربه إلى من دعاه أو عبده. وهذا المحتضر قد يكون كافرا وفاجرا ، أو مؤمنا ومقربا. ولهذا قال تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) [الواقعة : ٨٨ ـ ٩٤]. ومعلوم أن مثل هذا المكذب لا يخصه الرب بقرب منه ، دون من حوله ، وقد يكون حوله قوله مؤمنون. وإنما هم الملائكة الذين يحضرون عند المؤمن والكافر ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) [النساء : ٩٧] ، وقال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) [الأنفال : ٥٠] ، وقال (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [الأنعام : ٩٣] ، وقال تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) [الأنعام : ٦١] ، وقال تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [السجدة : ١١]. ومما يدل على ذلك أنه ذكره بصيغة الجمع فقال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ