واتضحت سبله لذويه كما قال (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) أي يدعوكم من طريق النظر والتفكّر إلى الإيمان بالذي ربّاكم بنعمه ، وصرّفكم بآلائه ، فوجب عليكم شكره. (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) أي بالإيمان ، إذ ركّب فيكم العقول ، ونصب الأدلّة. ومكّنكم من النظر ، بل أودع في فطركم ما يضطركم لذلك إذا نبهتم ، وقد حصل ذلك بتذكير الرسول ، فما عليكم إلا أن تأخذوا في سبيله. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قال القاشاني : أي إن بقي نور الفطرة والإيمان الأزلي فيكم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٩)
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ) أي حججا واضحات ، وبراهين قاطعات ، (لِيُخْرِجَكُمْ) أي الله ، أو عبده بآياته (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من ظلمات الجهل والكفر والأهواء المتضادّة ، إلى نور الهدى واليقين ، الذي تشعر به النفوس ، وتطمئن به القلوب. (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي في إنزاله الكتب ، وإرساله الرسل لهدايتكم ، إزاحة للعلل ، وإزالة للشبه.
ولما كان إنزال هذه السورة للأمر بالإنفاق في سبيل الله ، والترغيب فيه ، والحث عليه ، أكثر من ذكره في ضروب من البيان ، وفنون من الأحكام. ولذا قال سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٠)
(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي يرث كل شيء فيهما ، ولا يبقى لأحد مال. وإذا كان كذلك ، فما أجدر أن ينفق المرء في حياته ، ويتخذه ذخرا يجده بعد مماته.
قال الشهاب : هذا من أبلغ ما يكون في الحث على الإنفاق ، لأنه قرنه بالإيمان أولا لما أمرهم به ، ثم وبخهم على ترك الإيمان ، مع سطوع براهينه ، وعلى ترك الإنفاق