القول في تأويل قوله تعالى :
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٦)
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ) أي أحاط به علما ، ولم يذهب عنه شيء (وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي رقيب ، يعلمه ولا يغيب عنه. و (يَوْمَ) منصوب ب (اذكر) مضمرا. وتقدمة الإخبار بسعة علمه سبحانه ، تمهيد لما بعده من النهي عن النجوى بالإثم ، تحذيرا وتنفيرا. وقد أكد ذلك بتفصيل علمه عناية بالمنهيّ عنه ، والمحذر منه ، في قوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٧)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
(النجوى) مصدر ، معناها التحدث سرّا ، مأخوذة من (النجوة) ، وهي ما ارتفع من الأرض ، لأن السر يصان عن الغير ، كأن رفع من حضيض الظهور ، إلى أوج الخفاء ، على التشبيه.
قال الشهاب : وأقرب منه قول الراغب ، لأن المتسارّين يخلوان بنجوة من الأرض. أو هو من (النجاة) وتخصيص العددين ، إما لخصوص الواقعة ، فكان قوم من المنافقين ، على هذا العدد اجتمعوا مغايظة للمؤمنين ، أو لأن التناجي للمشاورة ، وأقله ثلاثة ، لأن التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين ، وثالث يتوسط بينهما. ومناسبة ضم الخمسة للثلاثة ، كون الخمسة أول مراتب ما فوقها في الوترية ، فذكرا ليشار بهما للأقل والأكثر. على أنه عمم الحكم بعد ذلك بقوله : (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ) أي : كالاثنين (وَلا أَكْثَرَ) أي : كالستة وما فوقها (إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) أي : يعلم ما يكون بينهم في أي مكان حلّوا ، لأن علمه بالأشياء ليس لقرب مكانيّ حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة.