قال الزمخشري : جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده كله ، أو غشاوة غطى بها عينيه ، فهو لا يبصر شيئا. فإذا كان يوم القيامة تيقظ ، وزالت الغفلة عنه وغطاؤها ، فيبصر ما لم يبصره من الحق.
وقال القاشانيّ في تأويل الآية : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) لاحتجابك بالحس والمحسوسات ، وذهولك عنه ، لاشتغالك بالظاهر عن الباطن (فَكَشَفْنا عَنْكَ) بالموت (غِطاءَكَ) المادّي الجسمانيّ ، الذي احتجبت به (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) أي إدراكك لما ذهلت عنه ، ولم تصدق بوجوده ، قويّ تعاينه. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) (٢٣)
(وَقالَ قَرِينُهُ) أي قرين هذا الإنسان الذي جيء به يوم القيامة معه سائق وشهيد ، وهو إما الملك الموكل عليه في الدنيا لكتابة أعماله ، وهو الرقيب المتقدم ، أو الشيطان الذي قيض له مقارنا له يغويه ، وهو الأظهر ـ كما اعتمده الزمخشري ـ لآية (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف : ٣٦] ، ويشهد له قوله تعالى : (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) [ق : ٢٧] ، (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) أي هذا شيء لديّ حاضر معدّ محفوظ. والإشارة على الأول لما في صحفه ، وعلى الثاني للشخص نفسه. أي هذا ما لديّ عتيد لجهنم هيأته بإغوائي لها.
وقال القاشاني : (وَقالَ قَرِينُهُ) أي من شيطان الوهم الذي غرّه بالظواهر ، وحجبه عن البواطن. (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) مهيأ لجهنم. أي ظهر تسخير الوهم إياه في التوجه إلى الجهة السفلية ، وأنه ملكه ، واستعبده في طلب اللذات البدنية ، حتى هيأه لجهنم في قعر الطبيعة. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) (٢٤)
(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد ، على أنهما ملكان ، لا ملك جامع للوصفين ، أو لملكين من خزنة النار ، أو لواحد ، وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل ، وتكريره على أنه أصله : ألق ، ألق ، ثم حذف الفعل الثاني ، وأبقى ضميره مع الفعل الأول ، فثنى الضمير للدلالة على ما ذكر. أو الألف