وهيئة واحدة ، إلى أن يبلغ إلى الأشخاص التي تلي أنواع ، الأنواع ؛ لا تفاوت في شيء من ذلك البتة ، بوجه من الوجوه ، ولا تخالف في شيء منه أصلا. ومن وقف على هذا علم أن الصورة المستقبحة عندنا ، والصورة المستحسنة عندنا. واقعتان معا تحت نوع الشكل والتخطيط ، ثم تحت نوع الكيفية ، ثم تحت اسم العرض ، وقوعا مستويا لا تفاضل فيه ، ولا تفاوت في هذا بوجه من التقسيم.
وكذلك أيضا نعلم أن الكفر والإيمان بالقلب واقعان تحت نوع الاعتقاد ، ثم تحت فعل النفس ، ثم تحت الكيفية والعرض ، وقوعا مستويا لا تفاضل فيه ، ولا تفاوت من هذا الوجه من التقسيم. وكذلك أيضا نعلم أن الإيمان والكفر باللسان واقعان تحت نوع فرع الهواء بآلات الكلام ، ثم تحت نوع الحركة وتحت نوع الكيفية ، وتحت اسم العرض ، وقوعا حقا مستويا لا تفاوت فيه ولا اختلاف.
وهكذا القول في الظلم والإنصاف ، وفي العدل والجور ، وفي الصدق والكذب ، وفي الزنا والوطء الحلال. وكذلك كل ما في العالم ، حتى يرجع جميع الموجودات إلى الرؤوس الأول التي ليس فوقها رأس يجمعها إلا كونها مخلوقة لله تعالى. وهي الجوهر والكم والكيف والإضافة. فانتفى التفاوت عن كل ما خلق الله تعالى ، وعادت الآية المذكورة حجة على المعتزلة ، ضرورة لا منفك لهم عنها ، وهي أنه لو كان وجود الكفر والكذب والظلم تفاوتا كما زعموا ، لكان التفاوت موجودا في خلق الرحمن. وقد كذب الله تعالى ذلك ، وهي أن يرى في خلقه تفاوت. انتهى كلامه.
الثالث ـ قال الناصر : في قوله تعالى (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) وضع للظاهر موضع المضمر. وفيه من الفائدة التنبيه على أن الذي يرجع خاسئا حسيرا غير مدرك الفطور ، هو الآلة التي يلتمس بها إدراك ما هو كائن ، فإذا لم يدرك شيء ، دل على أنه لا شيء.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) (٥)
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) قال ابن جرير : وهي النجوم. وجعلها (بِمَصابِيحَ) لإضاءتها. وكذلك الصبح ، إنما قيل له صبح ، للضوء الذي يضيء للناس من النهار. (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) قال ابن كثير : عاد الضمير في قوله تعالى