لتقدمه له ، ولذلك جعلوه مكان العز والحميّة ، واشتقوا منه (الأنفة) وقالوا : الأنف في الأنف ، وحمى أنفه ، وفلان شامخ العرنين. وقالوا في الذليل : جدع أنفه ، ورغم أنفه. فعبّر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة ، لأن السمة على الوجه شين وإذالة ، فكيف بها على أكرم موضع منه؟ ولقد وسم العباس أباعره في وجوهها ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أكرموا الوجوه ، فوسمها في جواعرها. وفي لفظ (الخرطوم) استخفاف به واستهانة ، لأن أصل الخرطوم للخنزير والفيل. وقيل : سنعلمه يوم القيامة بعلامة مشوّهة يبين بها عن سائر الكفرة ، كما عادى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عداوة بان بها عنهم. انتهى.
تنبيه :
قيل : عنى بالآية الأخنس بن شريق. قال ابن جرير : وأصله من ثقيف ، وعداده في بني زهرة. أي : لأنه التحق بهم حتى كان منهم في الجاهلية. ولذا سمي زنيما للصوقه بالقوم ، وليس منهم وقيل : هو الوليد بن المغيرة ، ادعاه أبو بعد ثماني عشرة من مولده.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ) (١٨)
(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أي بلونا مشركي مكة ، فاختبرنا بهذا التنزيل الحكيم ، هل يشكرون نعمته ، فيحيوا حياة طيبة ، أو يصرون على تكذيبه ، فلا تكون عاقبتهم إلا كعاقبة أهل الجنة في امتحانهم الآتي ، ثم دمارهم.
وقيل : معناه أصبناهم ببلية ، وهي القحط والجوع ، بدعوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) وهم قوم من أهل الكتاب ـ على ما روي عن ابن عباس ـ أو ناس من الحبشة ـ في قول عكرمة ـ أي : كتابيون. فيتفق مع ما قبله ، وليس من ضرورة الاعتبار بالمثل والعظة به ، تعيين أهله ، لو لا محبة المأثور (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) أي : ليقطعن ثمارها مبكرين بحيث لا يعلم مسكين بذلك (وَلا يَسْتَثْنُونَ) قال المهايمي : أي : ولا يخرجون شيئا من حق المساكين ، واقتصر عليه. وحكاه الرازيّ والقاضي قولا ثانيا. والأول أن معناه : ولا يقولون إن شاء الله ـ واقتصر عليه ابن جرير والأول أظهر ، والاستثناء بمعنى الإخراج الحسي ، والجملة معطوفة على (لَيَصْرِمُنَّها) ومقسم عليها.