لقد نقّبت في الآفاق حتى |
|
رضيت من الغنيمة بالإياب |
(هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) أي هل كان لهم ، بتنقيبهم في البلاد ، من معدل عن الهلاك الذي وعدوا به لتكذيبهم الحق. والضمير على هذا في (نقبوا) للقرن الذين هم أشد بطشا. وجوز عوده لهؤلاء المشركين. أي ساورا في أسفارهم في بلاد القرون ، فهل رأوا لهم محيصا حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم؟.
قال ابن جرير : وقرأت القراء قوله (فَنَقَّبُوا) بالتشديد وفتح القاف ، على وجه الخبر عنهم. وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ (فَنَقَّبُوا) بكسر القاف ، على وجه التهديد والوعيد. أي طوفوا في البلاد وترددوا فيها ، فإنكم لن تفوتونا بأنفسكم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٣٧)
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إهلاك القرون التي أهلكت من قبل قريش (لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أي لتذكرة يتذكر بها من كان له عقل من هذه الآمة ، فينتهي عن الفعل الذي كانوا يفعلونه من كفرهم بربهم ، خوفا من أن يحل بهم مثل الذي حلّ بهم من العذاب.
(أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أي أصغى للأخبار ، عن هذه القرون التي أهلكت ، بسمعه.
(وَهُوَ شَهِيدٌ) أي حاضر القلب ، متفهم لما يخبر به عنهم ، غير غافل ولا ساه. على أن (شهيد) من الشهود ، وهو الحضور. والمراد : المتفطن ، لأن غير المتفطن كالغائب ، فهو استعارة أو مجاز مرسل. أو (شهيد) بمعنى شاهد ، وفيه مضاف مقدر. أي : شاهد ذهنه. أو هو من الشهادة ، والمراد : شاهد بصدقه ، أي : مصدق له ، لأنه المؤمن الذي ينتفع به. أو هو كناية عن المؤمن ـ نقله الشهاب ـ.
لطيفة :
قيل : (أو) لتقسيم المتذكر إلى تال وسامع ، أو إلى فقيه ومتعلم ، أو إلى عالم كامل الاستعداد لا يحتاج لغير التأمل فيما عنده ، وقاصر محتاج للتعلم فيتذكر إذا أقبل بكليته ، وأزال الموانع بأسرها. وفي تنكير (القلب) وإبهامه ، تفخيم وإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر ، كلا قلب.