ثم تأثر تعالى تخويفهم بعظمة يوم القيامة ، بترهيبهم بما عنده وفي قدرته ، من القهر ، فقال سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٤٤)
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) أي كله إليّ فإني أكفيكه ، وهذا من بليغ الكناية. كأنه يقول : حسبك انتقاما منه ، أن تكل أمره إليّ ، وتخلّي بيني وبينه ، فإني عالم بما يجب أن يفعل به ، قادر على ذلك. (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) أي سنكيدهم بالإمهال وإدامة الصحة ، وزيادة النعم ، من حيث لا يعلمون أنه استدراج ، وسبب لهلاكهم. يقال : استدرجه إلى كذا ، أي : استنزله إليه درجة فدرجة ، حتى يورّطه فيه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٤٥)
(وَأُمْلِي لَهُمْ) أي أمهلهم وأنسئ في آجالهم ملاوة من الزمان ، لتكمل حجة الله عليهم. (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) أي كيدي بأهل الكفر شديد قويّ.
قال الزمخشريّ : الصحة والرزق والمدّ في العمر ، إحسان من الله وإفضال ، يوجب عليهم الشكر والطاعة ، ولكنهم يجعلونه سببا في الكفر باختيارهم. فلما تدرجوا به إلى الهلاك ، وصف النعم بالاستدراج. وقيل : كم من مستدرج بالإحسان إليه ، وكم من مفتون بالثناء عليه ، وكم من مغرور بالستر عليه. وسمى إحسانه وتمكينه (كيدا) ، كما سماه استدراجا ، لكونه في صورة الكيد ، حيث كان سببا للتورط في الهلكة. ووصفه بالمتانة لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) (٤٧)
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) أي على ما أتيتهم به من النصيحة ، ودعوتهم إليه من الحق. (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أي من عزة ذلك الأجر مثقلون. أي أثقلهم الأداء ، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك ، وتجنبوا الدخول فيما دعوتهم إليه. والمعنى : لم تطلب منهم على الهداية والتعليم أجرا ، فيثقل عليهم حمله حتى يثبطهم عن الإيمان. (أَمْ