عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) أي منه ما يحكمون به ، فيجادلونك بما فيه ، ويزعمون أنهم على كفرهم بربهم أفضل منزلة عند الله من أهل الإيمان به ، وأنهم مستغنون عن وحيه وتنزيله.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٥٠)
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) وهو إمهالهم ، وتأخير ظهورك عليهم. أي لا يثنينّك ، عن تبليغ ما أمرت به ، أذاهم وتكذيبهم ، بل امض صابرا عليه (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) يعني : يونس عليهالسلام (إِذْ نادى) أي دعا ربه في بطن الحوت (وَهُوَ مَكْظُومٌ) أي مملوء غيظا وغمّا. والمعنى : لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والونى عن التبليغ ، فتبتلى ببلائه (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وهو قبول توبته ورحمته ، تضرعه وابتهاله (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) قال الزمخشريّ : يعني أن حاله كانت على خلاف الذم حين نبذ بالعراء ، ولو لا توبته لكانت حاله على الذم. والعراء : الفضاء من الأرض.
(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) أي برحمته. قال القاشانيّ : لمكان سلامة فطرته ، وبقاء نور استعداده ، وعدم رسوخ الهيئة الغضبية ، والتوبة عن فرطات النفس ، فقربه تعالى إليه (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي لمقام النبوة والرسالة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٥٢)
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) قال الزمخشريّ : يعني أنهم من شدة تحديقهم ، ونظرهم إليك شزرا ، بعيون العداوة والبغضاء ، يكادون يزلّون قدمك ، أو يهلكونك. من قولهم (نظر إلى نظرا يكاد يصرعني ، ويكاد يأكلني) أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل ، لفعله. قال :
يتقارضون ، إذا التقوا في موطن ، |
|
نظرا يزلّ مواطئ الأقدام |
وأنشد ابن عباس ـ وقد مرّ بأقوام حددوا النظر إليه ـ :