وذهب بعض منهم إلى أن المراد بالعرش ملكه تعالى للسموات والأرض ، وب (الثمانية) السموات السبع والأرض. وعبارته : (وَيَحْمِلُ) بالجذب (عَرْشَ رَبِّكَ) أي : ملك ربك للأرض والسموات (فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ) أي : فوق الملائكة الذين هم على أرجائها يوم القيامة ، (ثَمانِيَةٌ) أي : السموات السبع والأرض.
قال : وهذا يدل على أن (السبع) ليس للكثرة ، بل المراد به الحقيقة. فهم ثمانية يحملون العرش ، أي : ملك الأرض والسموات السبع بالجذب ، كما هو حاصل اليوم. ولكن ذلك يكون بشكل عظيم جدّا.
ثم قال : ولا وجه لمعترض يقول : إن حملة العرش مسبحة ، لقوله تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) [غافر : ٧] ، فكيف تسبح السماوات والأرض؟ لأنه يجاب بقوله تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) [الإسراء : ٤٤].
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) (٢٤)
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) أي : على ربكم للحساب والمجازاة (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) أي سريرة كانت تخفى في الدنيا بستر الله.
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) أي : علامة لفوزه (فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) أي : تعالوا ، أو خذوا. والهاء للسكت ، لا ضمير غيبة.
قال الشهاب : فحقها أن تحذف وصلا ، وتثبت وقفا ، لتصان حركة الموقوف عليه ، فإذا وصل استغنى عنها. ومنهم من أثبتها في الوصل لإجرائه مجرى الوقف ، أو لأنه وصل بنيّة الوقف. وإثباتها وصلا قراءة صحيحة ، ولا يلتفت لقول بعض النحاة : إنها لحن.
(إِنِّي ظَنَنْتُ) أي : علمت (أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) أي جزائي يوم القيامة. أي : فأعددت له عدته من الإيمان والعمل الصالح.
(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي : ذات رضا ، ملتبسة به ، فيكون بمعنى (مرضية). أو الأصل : راض صاحبها ، فأسند الرضا إليها ، لجعلها ، لخلوصها عن الشوائب ، كأنها