(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) أي النصف إلى الثلثين ، والمقصود التخيير بين قيام النصف وما فوقه وما دونه. ولا يقال : كيف يكون النصف قليلا وهو مساو للنصف الآخر؟ لأن القلة بالنسبة إلى الكل ، لا إلى عديله.
(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) أي بيّنه تبيينا ، وترسّل فيه ترسلا.
قال الزمخشريّ : ترتيل القرآن قراءته على ترسل وتؤدة ، بتبيين الحرف ، وإشباع الحركات ، حتى يجيء المتلوّ منه شبيها بالثغر المرتل ، وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان ، وأن لا يهذّه هذّا ، ولا يسرده سردا.
تنبيه :
قال السيوطي : في الآية استحباب ترتيل القراءة ، وأنه أفضل من الهذّ به ، وهو واضح.
وقد ثبت في السنّة أنه صلىاللهعليهوسلم كان يقطع قراءته آية آية ، وأنها كانت مفسرة حرفا حرفا ، وأنه كان يقف على رؤوس الآي.
واستدل بالآية على أن الترتيل والتدبّر ، مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها ، لأن المقصود من القرآن فهمه وتدبّره ، والفقه فيه ، والعمل به.
قال ابن مسعود : لا تهذّوا القرآن هذّ الشعر ، ولا تنثروه نثر الدقل. قفوا عند عجائبه ، وحرّكوا به القلوب ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (٥)
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) أي رصينا ، لرزانة لفظه ، ومتانة معناه ، ورجحانه فيهما على ما عداه. ولما كان الراجح من شأنه ذلك ، تجوّز بالثقيل عنه. أو ثقيلا على المتأمّل فيه ، لافتقاره إلى مزيد تصفيه للسر ، وتجريد للنظر. أو ثقيلا تلقّيه ، لقول عائشة (١) رضي الله عنها : رأيته صلىاللهعليهوسلم ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، وإن جبينه ليتفصد عرقا. وعلى كل فالجملة معللة للأمر بالترتيل ، وأن ثقله مما يستدعيه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (٦)
__________________
(١) أخرجه البخاري في : بدء الوحي ، ٤ ـ حدثنا عبد الله بن يوسف ، حديث رقم ٢.