(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) أي نشأته وطبيعة خلقه ومظهره (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) أي مواقفة لما يراد منها من جمع الهم ، وهدوء البال. (وَأَقْوَمُ قِيلاً) أي أشدّ مقالا وأصوبه.
قال ابن قتيبة : لأن الليل تهدأ فيه الأصوات ، وتنقطع فيه الحركات ، ويخلص القول ، ولا يكون دون تسمّعه وتفهمه حائل.
ونقل السيوطي عن الجاحظ قال : ناشئة الليل هي المعاني المستنبطة من القرآن بالليل ، أشد وطأ أبين أثرا. وأقوم قيلا ، أصحّ مما تخرجه الأفكار بالنهار ، لخلوّ السمع والبصر عن الاشتغال.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) (٩)
(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) أي تقلبا في مهماتك ، واشتغالا بها ، فلذا أمرت بقيام الليل. (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) أي دم على ذكره ليلا ونهارا. قال الزمخشريّ : وذكر الله يتناول كل ما كان من ذكر طيب : تسبيح وتهليل وتكبير وتمجيد وتوحيد وصلاة وتلاوة قرآن ، ودراسة علم ، وغير ذلك مما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستغرق به ساعات ليله ونهاره. (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) أي أخلص إليه ، بتجريد النفس عن غيره ، إخلاصا عظيما. (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) أي تكل إليه مهامك ، فإنه سيكفيكها.
قال ابن جرير : أي فيما يأمرك ، وفوض إليه أسبابك.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) (١٤)
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي من الأذى والفري (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) أي بالإعراض عن مكافأتهم بالمثل ، كما قال تعالى : (وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [الأحزاب : ٤٨] ، (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) أي دعني وإياهم ، وكل أمرهم إليّ ، فإن بي غنيمة عنك في الانتقام منهم. (أُولِي النَّعْمَةِ) أي التنعم ، يريد صناديد قريش ومترفيهم.