بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (٧)
(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) أي المتلفف بثيابه لنوم أو استدفاء ، من الدثار ، وهو كل ما كان من الثياب فوق الشعار. والشعار الثوب الذي يلي الجسد. وأصله (المتدثر) فأدغم ، خوطب بذلك لحالته التي كان عليها وقت نزول الوحي. أو لقوله : دثروني كما تقدم ـ وقيل : معناه المدثر بدثار النبوة والرسالة ، من قولهم : ألبسه الله لباس التقوى ، وزينه برداء العلم. ويقال : تلبس فلان بأمر كذا. فجعل النبوة كالدثار واللباس مجازا.
قال الشهاب : إما أن يراد المتحلي بها والمتزين ، كما أن اللباس الذي فوق الشعار يكون حلية لصاحبه وزينة. وكذا يسمى (خلة). والتشبيه بالدثار في ظهورها ، أو في الإحاطة. والأول أتم.
(قُمْ) أي من مضجعك ودثارك. أو قيام عزم وجدّ (فَأَنْذِرْ) أي فحذر قومك من العذاب إن لم يؤمنوا.
قال الشهاب : لم يقل (وبشر) لأنه كان في ابتداء النبوة ، والإنذار هو الغالب ، لأن البشارة لمن آمن ، ولم يكن إذ ذاك. أو هو اكتفاء لأن الإنذار يلزمه التبشير.
(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) قال ابن جرير أي فعظم بعبادته ، والرغبة إليه في حاجاتك ، دون غيره من الآلهة والأنداد.
وقال القاشاني : أي إن كنت تكبر شيئا وتعظم قدره ، فخصص ربك بالتعظيم والتكبير ، لا يعظم في عينك غيره ، ويصغر في قلبك كل ما سواه ، بمشاهدة كبريائه. (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) أي : بالماء من الأنجاس. قال ابن زيد ، كان المشركون لا يتطهرون ، فأمره أن يتطهر ويطهّر ثيابه. وقيل هو أمر بتطهير القلب مما يستقذر من الآثام.