قال قتادة : العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دنس الثياب. وإذا وفي وأصلح ، قالوا : مطهر الثياب.
وعن ابن عباس : أي لا تلبسها على معصية ، ولا على غدرة. ثم أنشد لغيلان ابن سلمة الثقفي :
وإني ، بحمد الله ، لا ثوب فاجر |
|
لبست ، ولا من غدرة أتقنّع |
وفي الوجه الأول بقاء لفظي الثياب والتطهير على حقيقتهما ، وفي الثاني تجوّز بهما. وبقي وجه ثالث ، وهو حمل الثياب على حقيقتها ، والتطهير على مجازه ، وهو التبصير. لأن العرب كانوا يطيلون ثيابهم ، ويجرّون أذيالهم خيلاء وكبرا ، فأمر بمخالفتهم. ورابع وهو عكس هذا ، وذلك ، بحمل الثياب على الجسد أو النفس كناية ، كما قال عنترة :
فشككت بالرمح الأصمّ ثيابه
أي : نفسه. ولذا قال :
ليس الكريم على القنا بمحرّم
واستصوب ابن الأثير في (المثل الساتر) الوجه الأول. قال في الفصل الثالث من فصول مقدمته : اعلم أن الأصل في المعنى أن يحمل على ظاهر لفظه ، ومن يذهب إلى التأويل يفتقر إلى دليل ، كقوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ). فالظاهر من لفظ الثياب هو ما يلبس. ومن تأول ، ذهب إلى أن المراد هو القلب ، لا الملبوس. وهذا لا بد له من دليل ، لأنه عدول عن ظاهر اللفظ.
ثم قال : المعنى المحمول على ظاهره لا يقع في تفسيره خلاف. والمعنى المعدول عن ظاهره إلى التأويل يقع فيه الخلاف ، إذ باب التأويل غير محصور ، والعلماء متفاوتون في هذا ، فإنه قد يأخذ بعضهم وجها ضعيفا من التأويل ، فيكسوه بعبارته قوة تميزه عن غيره من الوجوه القوية ، فإن السيف بضاربه :
إن السيوف مع الذين قلوبهم |
|
كقلوبهن ، إذا التقى الجمعان |
تلقى الحسام على جراءة حدّه |
|
مثل الجبان بكفّ كل جبان |
انتهى.
ويكفي دليلا ما للعرب من الشواهد والأمثال. والاستعمال لا ينحصر في الحقيقة. نعم ، المتبادر أولى وأجدر ، وهو عنوان الحقيقة.
وقوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) أي اتركه. و (الرجز) بكسر الراء كالرجس والسين والزاي يتبادلان ، لأنهما من حروف الصفير.