و (الرجس) اسم للقبيح المستقذر. كنّي به عن عبادة الأوثان خاصة ، لقوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠] ، أو عن كل ما يستكره من الأفعال والأخلاق والجملة من جوامع الكلم في مكارم الأخلاق ، كأنه قيل : اهجر الجفا والسفه وكل قبيح ، ولا تتخلق بأخلاق هؤلاء المشركين المستعملين للرجز.
وقيل : المراد بالرجز العذاب ، وهجره كناية عن هجر ما يؤدي إليه من الشرك والمعاصي.
فالرجز مجاز ، وقد أقيم مقام سببه. أو هو بتقدير مضاف ، أي أسباب الرجز. أو التجوز بالتشبيه.
وقرئ بضم الراء ، وهو لغة في المكسور ، وهما بمعنى ، وهو العذاب.
وعن مجاهد أنه بالضم بمعنى الصنم ، وبالكسر العذاب.
وأمره صلىاللهعليهوسلم بذلك ، وهو بريء منه ، إما أمر لغيره تعريضا ، أو المراد الدوام على هجره.
(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) أي لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها ، بمعنى : لا تعط شيئا لتعطى أكثر منه. يقال : مننت فلانا كذا ، أي أعطيته. كما قال : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ) [ص : ٣٩] ، أي فأعط أو أمسك. وأصله أن من أعطى فقد منّ ، فسميت العطية بالمنّ على سبيل الاستعارة. وجوّز القفّال أن يكون الاستكثار عبارة عن طلب العوض كيف كان زائدا أو مساويا. قال : وإنما حسنت هذه الاستعارة ، لأن الغالب أن الثواب يكون زائدا على العطاء. فسمي طلب الثواب استكثارا حملا للشيء على أغلب أحواله. وهذا كما أن الأغلب أن المرأة إنما تتزوج ، ولها ولد ، للحاجة إلى من يربي ولدها ، فسمي الولد ربيبا ، ثم اتسع الأمر ، فسمي ربيبا ، وإن كان ، حين تتزوج أمه ، كبيرا.
وسر النهي أن يكون العطاء خاليا عن انتظار العوض ، والتفات النفس إليه تعففا وكمالا وعلوّ همة.
وقيل : معنى الآية لا تعط عطاء مستكثرا له ، فإن مكارم الأخلاق استقلال العطاء ، وإن كان كثيرا ، فالسين للعدّ والوجدان. وسبق في سورة الروم في قوله تعالى : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) [الروم : ٣٩] ، كلام في هذه الآية أيضا فارجع إليه.
(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) أي على أذى المشركين.