القول في تأويل قوله تعالى :
(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) (١٠)
(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) أي نفخ في الصور. و (الناقور) من النقر ، بمعنى التصويت. وأصله القرع الذي هو سبب الصوت. ومنه منقار الطائر لأنه يقرع به أي : لما كان الصوت يحدث بالقرع. تجوز به عنه ، وأريد به النفخ لأنه نوع من الصوت.
(فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) أي شديد.
(عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) أي هيّن ، لما يحيق بهم من صنوف الردى. وفي قوله : (غَيْرُ يَسِيرٍ) تأكيد يمنع أن يكون عسيرا عليهم من وجه دون وجه ، ويشعر بيسره على المؤمنين. ففيه جمع بين وعيد الكافرين وبشارة المؤمنين.
القول في تأويل قوله تعالى :
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) (١٧)
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) أي لا مال له ولا ولد.
(وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) أي مبسوطا كثيرا ، أو ممدودا بالنماء.
(وَبَنِينَ شُهُوداً) أي رجالا يشهدون معه المحافل والمجامع ، أو حضورا معه يأنس بهم ، لا يحوجه سفرهم وركوبهم الأخطار ، لاستغنائهم عن التكسب والمدح.
(وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) أي بسطت له في العيش والجاه والرياسة.
(ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) أي من المال والولد والجاه. أو من النعيم الأخرويّ. وهذا أظهر لقوله : (كَلَّا) أي لا يكون ما يأمل ويرجو ، لأن الجدير بالزيادة من نعيم الآخرة هم المتقون ، لا هو ، (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) أي معاندا للحجج المنزلة والمرسلة.
(سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) أي سأغشيه عقبة شاقة المصعد. وهو مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعب الذي لا يطاق ـ قاله الزمخشريّ ـ.
قال الشهاب : ومعنى كونه مثلا ، أنه شبه ما يسوقه الله له من المصائب ، بتكليف الصعود في الجبال الوعرة الشاهقة ، وأطلق لفظه عليه. فهو استعارة تمثيلية.
ثم علل إرهاقه ذلك بقوله :