ولكن كذب به. وأما ما يتعلق بفروع الدين فهو أنه ما صلى ، ولكنه تولى ، وأعرض. وأما ما يتعلق بدنياه ، فهو أنه ذهب إلى أهله يتمطى ويختال في مشيته.
الثالث ـ دلت الآية على أن الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة ، كما يستحقهما بترك الإيمان.
الرابع ـ قال الرازي : قال أهل العربية : (لا) هاهنا في موضع (لم) فقوله : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) أي لم يصدق ولم يصلّ ، وهو كقوله : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [البلد : ١١] ، أي لم يقتحم.
وكذلك ما روي (١) : أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا استهل. قال الكسائيّ : لم أر العرب قالت في مثل هذا كلمة وحدها ، حتى تتبعها بأخرى ، إما مصرحا بها ، أو مقدرا. أما المصرح ، فلا يقولون لا عبد الله خارج ، حتى يقولوا ولا فلان ، ولا يقولون مررت برجل لا يحسن ، حتى يقولوا ولا يجمل. وأما المقدر فهو كقوله : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [البلد : ١١] ، ثم اعترض الكلام فقال : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ) ، وكان التقدير : لا فك رقبة ولا أطعم مسكينا ، فاكتفى به مرة واحدة. ومنهم من قال : التقدير في قوله : (فَلَا اقْتَحَمَ) أي أفلا اقتحم ، وهلا اقتحم. انتهى. (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) أي ويل لك مرة بعد مرة. دعاء عليه بأن يليه ما يكرهه وأذلاء متكررا متضاعفا.
وقيل : المعنى بعدا لك. فبعدا في أمر دنياك ، وبعدا لك فبعدا في أمر أخراك ـ حكاه الرازي عن القاضي ـ ثم قال : قال القفال : هذا يحتمل وجوها.
أحدها ـ أنه وعيد مبتدأ من الله للكافر.
والثاني ـ أنه شيء قاله النبيّ صلىاللهعليهوسلم لعدوه ـ يعني أبا جهل ـ فاستنكره عدو الله لعزته عند نفسه ، فأنزل الله تعالى مثل ذلك.
والثالث ـ أن يكون ذلك أمرا من الله لنبيه بأن يقولها لعدو الله ، فيكون المعنى : ثم ذهب إلى أهله يتمطى ، فقل له يا محمد : أولى لك فأولى ، أي احذر ،
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه في : الطب ، ٤٦ ـ الكهانة ، حديث رقم ٢٢٦٩ ، عن أبي هريرة ، ونصه : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها وهي حامل ، فقتلت ولدها الذي في بطنها. فاختصموا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقضى أن دية ما في بطنها غرة : عبد أو أمة. فقال ولي المرأة التي غرمت : كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهلّ ، ومثل ذلك بطل؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : إنما هذا من إخوان الكهّان.