والحكمة والنبوّة والهداية في الأرض (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) أي الملائكة التي تفرق بين الحق والباطل بسبب إنزال الوحي والتنزيل. أو الآيات القرآنية التي تفرق كذلك. أو السحب التي نشرن الموات ففرقن بين من يشكر الله تعالى وبين من يكفر كقوله : (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [الجن : ١٦] ، (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) أي الملائكة الملقيات ذكر الله إلى أنبيائه ، المبلغات وحيه (عُذْراً أَوْ نُذْراً) أي إعذارا من الله لخلقه ، وإنذارا منه لهم. مصدران بمعنى الإعذار والإنذار. أي الملقيات ذكرا للإعذار والإنذار. أي لإزالة إعذارهم ، وإنذارهم عقاب الله تعالى إن عصوا أمره (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) جواب القسم. أي : إن الذي توعدون به من مجيء القيامة والجزاء ، لكائن نازل ، كقوله : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) [الذاريات : ٦] ، أو من زهوق ما أنتم عليه من الباطل ، وظفر الحق بقرنه ، أو ما هو أعم. والأول أولى. لإردافه بعلاماته ، بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (١٥)
(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) أي محقت أو ذهب ضياؤها ، كقوله : (انْكَدَرَتْ) [التكوير : ٢] ، و (انْتَثَرَتْ) [الانفطار : ٢]. (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) أي شققت وصدعت (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) أي اقتلعت من أماكنها بسرعة. فكانت هباء منبثا (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) أي أجلت للاجتماع لوقتها يوم القيامة للشهادة على أممهم والفوز بما وعدوه من الكرامة. والهمزة من (أُقِّتَتْ) مبدلة من الواو.
قال ابن جرير وقرأه بعض قراء البصرة بالواو وتشديد القاف. وأبو جعفر بالواو وتخفيف القاف. وكل ذلك قراءات معروفات ولغات مشهورات بمعنى واحد. فبأيتها قرأ القارئ فمصيب. غير أن من العرب من يستثقل ضمة الواو ـ كما يستثقل كسرة الياء في أول الحرف. فيهمزها.
(لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) أي أخرت عن معاجلة الثواب والعقاب. أي يقال لأي يوم أجلت فالجملة مقول قول مضمر ، هو جواب (إذا) أو حال من مرفوع (أقتت) والمعنى ليوم عظيم أخرت أمور الرسل. وهو تعذيب الكفرة وإهانتهم ، وتعظيم المؤمنين ورعايتهم ، وظهور ما كانت الرسل تذكرة من أحوال الآخرة وأهوالها ، ولذا عظم شأن اليوم ، وهوّل أمره بالاستفهام. وقوله تعالى : (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) بدل مما قبله ، مبين له. أو متعلق بمقدر. أي أجلت ليوم الفصل بين الخلائق. وقد قيل : لامه بمعنى (إلى) (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ) أي بين السعداء والأشقياء. والاستفهام كناية عن تهويله وتعظيمه.