القول في تأويل قوله تعالى :
(انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٤٠)
(انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) أي فرق. وذلك دخان جهنم المرتفع من وقودها ، إذا تصاعد تفرّق شعبا ثلاثا ، لعظمه.
قال الشهاب : فيه استعارة تهكمية لتشبيه ما يعلو من الدخان بالظل. وفيه إبداع ، لأن الظل لا يعلو ذا الظل. وقوله تعالى : (لا ظَلِيلٍ) تهكم بهم. لأن الظل لا يكون إلا ظليلا أي مظللا. فنفيه عنه للدلالة على أن جعله ظلّا تهكم بهم ، ولأنه ربما يتوهم أن فيه راحة لهم ، فنفي هذا الاحتمال بقوله : (لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) أي لا يردّ عنهم من لهب النار شيئا. والمعنى أنه لا يظلهم من حرّها ولا يكنّهم من لهبها (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) أي تقذف كل شررة كالقصر في عظمها ، والقصر واحد القصور.
قال ابن جرير : العرب تشبّه الإبل بالقصور المبنية ، كما قال الأخطل في صفة ناقة :
كأنها برج رومي يشيّده |
|
لزّ بجصّ وآجرّ وأحجار |
ثم قال : وقيل (بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) ولم يقل كالقصور. والشرر جمع. كما قيل : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) ولم يقل الأدبار لأن الدبر بمعنى الأدبار. وفعل ذلك توفيقا بين رؤوس الآي ومقاطع الكلام. لأن العرب تفعل ذلك كذلك. وبلسانها نزل القرآن.
(كَأَنَّهُ جِمالَتٌ) وقرئ (جمالات) جمع (جمال) جمع (جمل) أو جمع (جمالة) جمع (جمل) أيضا. ونظيره : رجال ورجالات ، وبيوت وبيوتات ، وحجارة وحجارات. (صُفْرٌ) أي في لونها. فإن الشرار بما فيه من النارية يكون أصفر. وقيل : صفر أي سود.
قال قتادة وغيره : أي كالنوق السود ، واختاره ابن جرير : زاعما أنه المعروف من