حتى لم يبق شيء في باطنها ، كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلوّ (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) أي انقادت له في التخلية ، وحق لها ذلك ، وإعادة الآية للتنبيه على أن ذلك تحت سلطان الجلال الإلهي وقهره ومشيئته. وجواب (إذا) محذوف للتهويل بالإبهام. أي : كان ما كان مما لا يفي به البيان. أو لاقى الإنسان كدحه ، كما قال :
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ(٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (٩)
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) قال ابن جرير : أي إنك عامل إلى ربك عملا فملاقيه به ، خيرا كان أو شرّا. المعنى : فليكن عملك مما ينجيك من سخطه ، ويوجب لك رضاه ، ولا يكن مما يسخطه عليك فتهلك. وقال القاشانيّ : أي إنك ساع مجتهد في الذهاب إليه بالموت. أي تسير مع أنفاسك سريعا. كما قيل : أنفاسك خطاك إلى أجلك ؛ أو مجتهد مجد في العمل ، خيرا أو شرّا ، ذاهب إلى ربك فملاقيه ضرورة. قال : والضمير إما للرب وإما للكدح. وأصل الكدح جهد النفس في العمل والكد فيه ، حتى يؤثر فيها. من (كدح جلده) إذا خدشه. فاستعير للجد في العمل وللتعب ، بجامع التأثير في ظاهر البشرة (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) وهم من آمن وعمل صالحا واتصف بما وصف به الأبرار ، في غير ما آية (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) قال ابن جرير : بأن ينظر في أعماله فيغفر له سيئها ويجازى على حسنها. وقال القاشاني : بأن تمحى سيئاته ويعفى عنه ويثاب بحسناته دفعة واحدة ، لبقاء فطرته على صفائها ونوريتها الأصلية (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) أي : زوجته وأقاربه. أو قومه من يجانسه ويقارنه من أصحاب اليمين (مَسْرُوراً) أي بنجاته من العذاب ، أو بصحبتهم ومرافقتهم ، وبما أوتي من حظوظه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) (١٥)
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) أي أعطي كتاب عمله بشماله من وراء ظهره ، وهو على هيئة المغضوب عليه ، أمام الملك المنصرف به عن ذاك المقام إلى دار