(قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) أي : قتلهم الله وأهلكهم وانتقم منهم. على أن الجملة خبرية هي جواب القسم. أو دليل جوابه إن كانت دعائية ، والتقدير : لتبلون كما ابتلي من قبلكم ، ولينتقمن ممن فتنكم كما انتقم من الذين ألقوا المؤمنين في الأخدود.
قال الزمخشري : وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة ، وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان ، وإلحاق أنواع الأذى وصبرهم وثباتهم ، حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم ، ويعلموا أن كفارهم عند الله بمنزلة أولئك المعذبين المحرقين بالنار ، ملعونون أحقاء بأن يقال فيهم (قتلت قريش) كما قيل : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) والأخدود : الحفرة في الأرض مستطيلة. وقوله تعالى : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) بدل من (الْأُخْدُودِ) و (الْوَقُودِ) بالفتح الحطب الجزل الموقد به وأما (الوقود) بالضم فهو الإيقاد (إِذْ هُمْ عَلَيْها) أي على حافات أخدودها (قُعُودٌ) أي قاعدون يتشفون من المؤمنين (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) أي حضور يشاهدون احتراق الأجساد الحية ، وما تفعل بها النيران. ولا يرقّون لهم لغاية قسوة قلوبهم.
(وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ) أي : وما أنكروا منهم ، ولا كان لهم ذنب ، إلا الإيمان بالله وحده.
قال الراغب : نقمت من الشيء ونقمته إذا أنكرته ؛ إما باللسان وإما بالعقوبة. ومنه الانتقام (الْعَزِيزِ) أي الغالب على أعدائه بالقهر والانتقام (الْحَمِيدِ) أي المحمود على إنعامه وإحسانه (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي على كل شيء من أفاعيل هؤلاء الفجرة ، أصحاب الأخدود وغيرهم ، شاهد شهودا لا يخفى عليه منه مثقال ذرة ، وهو مجازيهم عليه. وفي توصيفه تعالى بما ذكر من النعوت الحسنى ، إشعار بمناط إيمانهم. فإن كونه تعالى قاهرا ومنعما ، له ذلك الملك الباهر. وهو عليم بأفعال عبيده ، مما يوجب أن يخشاه من عرف المصائر ، وفي الآية نوع من البديع يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم. وهو معروف في كتب المعاني.
تنبيه :
روى ابن جرير عن ابن عباس في أصحاب الأخدود قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدودا في الأرض ، ثم أوقدوا فيها نارا ، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالا ونساء ، فعرضوا عليها. وهكذا قال الضحاك : هم من بني إسرائيل أخذوا رجالا