في الحديث (١) شر الناس من ودعه الناس اتقاء فحشه. وورد في الشعر ، كقوله :
فكان ما قدّموا لأنفسهم |
|
أعظم نفعا من الذي ودعوا |
ولهذا قال في (المصباح) بهذا : اعلم أن قولهم ، في علم التصريف ، أماتوا ماضي يدع ويذر خطأ. وجعله استعارة من الوديعة تعسّف. انتهى
وكذا قال في (المستوفى) : أنه كله ورد في كلام العرب ، ولا عبرة بكلام النحاة فيه ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. وإن كان نادر. انتهى
وقوله تعالى : (وَما قَلى) أي : وما أبغضك. والقالي : المبغض. يعني ما هجرك عن بغض.
قال الشهاب : وحذف مفعول (قلى) اختصارا للعلم به ، وليجري على نهج الفواصل التي بعده ، أو لئلا يخاطبه بما يدل على البغض.
تنبيه :
روى ابن جرير : عن ابن عباس أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما نزل عليه القرآن أبطأ عنه جبريل أياما ، فعيّر بذلك. فقال المشركون : ودعه ربه وقلاه. فأنزل الله هذه الآية ، وفي رواية : إن قائل ذلك امرأة أبي لهب ، وفي أخرى أنها خديجة رضي الله عنها. ولا تنافي ، لاحتمال صدوره من الجميع. إلا أن قول المشركين وقول خديجة ـ إن صح ـ توجع وتحزن ـ وفي رواية إسماعيل مولى آل الزبير قال : فتر الوحي حتى شق ذلك على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأحزنه. فقال : لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني. فجاء جبريل بسورة والضحى (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) قال ابن جرير : أي وللدار الآخرة ، وما أعد الله لك فيها ، خير لك من الدار الدنيا وما فيها. يقول : فلا تحزن على ما فاتك منها ، فإن الذي لك عند الله خير لك منها. وقال القاضي : أو : لنهاية أمرك خير من بدايته. فإنه صلىاللهعليهوسلم لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) أي يعطيك من فواضل نعمه في العقبى حتى ترضى ، وهذه عدة كريمة شاملة لما أعطاه الله تعالى في الدنيا من كمال النفس وعلوم الأولين والآخرين ، وظهور الأمر وإعلاء الدين ، بالفتوح الواقعة في عصره عليه الصلاة والسلام ، وفي أيام خلفائه الراشدين وغيرهم من ملوك الإسلام ، وفشوّ دعوته في مشارق الأرض ومغاربها ، ولما
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الأدب ، ٤٨ ـ باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب ، حديث رقم ٢٣٣٠ ، عن عائشة.