ادخر له من الكرامات التي لا يعلمها إلا الله تعالى. وبالجملة ، فهذه الآية جامعة لوجوه الكرامة وأنواع السعادة وشتات الإنعام في الدارين ، حيث أجمله ووكله إلى رضاه وهذا غاية الإحسان والإكرام.
تنبيه :
قال في (المواهب اللدنية) : وأما ما يغتر به الجهال من أنه لا يرضى واحدا من أمته في النار ، أو لا يرضى أن يدخل أحد من أمته النار ، فهو من غرور الشيطان لهم ، ولعبه بهم. فإنه صلوات الله عليه وسلامه يرضى بما يرضى به ربه تبارك وتعالى ، وهو سبحانه وتعالى يدخل النار من يستحقها من الكفار والعصاة. وقد ولع الحشوية بتقوية أمثال هذه الآثار المفتراة تغريرا للجهال وتزيينا لموارد الضلال. ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١١)
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) قال أبو السعود : تعديد لما أفاض عليه من أول أمره إلى ذلك الوقت ، من فنون النعماء العظام ، ليستشهد بالحاضر الموجود على المترقب الموعود. فيطمئن قلبه وينشرح صدره ، والهمزة لإنكار النفي وتقرير المنفيّ على أبلغ وجه. كأنه قيل : قد وجدك إلخ. والوجود بمعنى العلم.
روي أن أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر. وماتت أمه وهو ابن ثمان سنين ، فكفله عمه أبو طالب وعطّفه الله عليه فأحسن تربيته ، وذلك إيواؤه (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أي غافلا عما أوحاه إليك من الهدى والفرقان ، فهداك إليه وجعلك إماما له ، كما في آية (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) [الشورى : ٥٢].
قال الشهاب : فالضلال مستعار من (ضل في طريقه) إذا سلك طريقا غير موصلة لمقصده لعدم ما يوصله للعلوم النافعة ، من طريق الاكتساب (وَوَجَدَكَ عائِلاً) أي فقيرا (فَأَغْنى) أي فأغناك بمال خديجة الذي وهبته إياه. أو بما حصل لك من ربح التجارة (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) فلا تغلبه على ماله فتذهب بحقه ، استعطافا منك له (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) قال ابن جرير : أي وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره ، ولكن أطعمه واقض له حاجته. أي لأن للسائل حقا ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ فِي