وقال ابن عرفة : هو إثقال يجعل ما حمل عليه نقضا. أي مهزولا ضعيفا. وقد مثل بذلك حاله صلوات الله عليه ، مما كان يثقل عليه ويغمه من قلة المستجيبين لدعوته ، وضعف من سبق إلى الإيمان به ، وشيوع الشرك والضلال في جزيرة العرب ، وقوة أهلها. ووضعه عنه هو كثرة من آمن بعد ، ودخولهم في دين الله أفواجا ، وقوة أتباعه وانمحاء الشرك والجاهلية من الجزيرة ، وذل أهلها بعد العز ، وانقيادهم بعد شدة الإباء. وقيل : الآية كناية عن عصمته وتطهيره من دنس الآثام كقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢].
والوجه الأول أقوى ، وفي الآية ، على كلّ ، استعارة تمثيلية. والوضع ترشيح لها (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) أي بالنبوة وفرض الاعتراف برسالته وجعله شرطا في قبول الإيمان وصحته. وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة. فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله.
وعن مجاهد : أي لا أذكر إلا ذكرت معي. قال الشهاب وهذا ـ أي المأثور عن مجاهد ـ إن أخذ كلية خالف الواقع. فإنه كم ذكر الله وحده! وكم ذكر الرسول صلىاللهعليهوسلم وحده! وإن عين موضعا فهو ترجيح بلا مرجح. وإن جعلت القضية مهملة ، فلا يخفى ما في الإهمال من الركاكة.
قال : وقد أمعنت فيه النظر فلم أر ما يثلج الصدر ، ويردّ السائل غير صفر ، حتى لاح لي أن الجواب الحق أن يقال : الذكر محمول على الذكر في مجامع العبادة ومشاهدها. فإن ذكره صلىاللهعليهوسلم مقرون بذكره فيها في الواقع في الصلوات والخطب. فلا ترى مشهدا من مشاهد الإسلام إلا وهو كذلك. فلا ينفك ذكره صلىاللهعليهوسلم عن ذكره تعالى في يوم من الأيام ، ولا ليلة من الليالي بل ولا في وقت من الأوقات المعتدّ بها ، فتتجه الكلية. فإن قلت : من أين لك هذا التقييد ، فهل هو إلا ترجيح من غير مرجح؟ قلت : المقام ناطق بهذا القيد. فإن المراد التنويه بذكره صلىاللهعليهوسلم وإشاعة قدره ، الدال على قربه صلىاللهعليهوسلم من ربه ، كقرب اسمه من اسمه ، وإنما يكون هذا بذكره في المحافل والمشاهد والجوامع والمساجد. وأي إشاعة أقوى من الآذان؟ لا في الأسواق والطرق التي يطرح فيها كل ذكر.
ثم قال : واعلم أن تحقيق هذا المقام ما قاله الإمام الشافعيّ في أول (رسالته الجديدة) وبينه السبكيّ في تعليقة على الرسالة فقال رحمهالله تعالى :
قال الإمام رضي الله تعالى عنه عن مجاهد في تفسير الآية : لا أذكر إلا ذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمدا رسول الله. قال الشافعيّ : يعني