ذكره عند الإيمان بالله والأذان ، ويحتمل ذكره عند تلاوة القرآن وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصية.
قال السبكيّ : هذا الاحتمال من الشافعيّ جيد جدّا. وهو مبني على أن المراد بالذكر ، الذكر بالقلب ، وهو صحيح. فعلى هذا يعم. لأن الفاعل للطاعة أو الكافّ عن المعصية امتثالا لأمر الله تعالى به ، ذاكرا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم بقلبه ، لأنه المبلغ لها ، عن الله. وهذا أعم من الذكر باللسان ، فإنه مقصور على الإسلام والأذان والتشهد والخطبة ونحوها. قال الشافعيّ : فلم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت ، نلنا بها حظا في دين أو دنيا. أو رفع عنا بها مكروه فيهما أو في واحد منهما ، إلا ومحمد صلىاللهعليهوسلم سببها. فعلم من هذا أنه إن أبقى العموم والحصر على ظاهره ، حمل الذكر على الذكر القلبيّ فيشمل كل موطن من مواطن العبادة والطاعة ، فإن العاقل المؤمن إذا ذكر الله ، تذكر من دل على معرفته وهداه إلى طاعته ، وهو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كما قيل :
فأنت باب الله أيّ امرئ |
|
أتاه من غيرك لا يدخل؟ |
ولك أن تقول : المراد برفع ذكره تشريفه صلىاللهعليهوسلم بمقارنته لذكره في شعائر الدين الظاهرة ، وأولها كلمتا الشهادة ، وهما أساس الدين ثم الأذان والصلاة والخطب. فالحصر إضافيّ. انتهى كلام الشهاب. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (٨)
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) إشارة إلى أن الذي منحه ، صلوات الله عليه ، من شرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر ، بعد ضيق الأمر واستحكام حلقات الكرب في أول السير ، كان على ما جرت به سنته تعالى في هذا النوع من الخليقة. وهو أن مع العسر يسرا. ولهذا وصل العبارة بالفاء التي لبيان السبب. (وأل) في (العسر) للاستغراق ولكنه استغراق بالمعهود عند المخاطبين من أفراده أو أنواعه. فهو العسر الذي يعرض من الفقر والضعف وجهل الصديق وقوة العدوّ ، وقلة الوسائل إلى المطلوب. ونحو ذلك مما هو معهود ومعروف. فهذه الأنواع من العسر مهما اشتدت ، وكانت النفس حريصة على الخروج منها طالبة لكشف شدتها ، واستعملت من وسائل الفكر والنظر والعمل ما من شأنه أن يعدّ لذلك في معروف العقل ، واعتصمت بعد ذلك بالتوكل على الله حتى لا تضعفها الخيبة لأول مرة ، ولا يفسخ عزيمتها ما تلاقيه عند الصدمة الأولى ، فلا ريب في أن النفس تخرج منها ظافرة. وقد كان هذا حال النبيّ صلىاللهعليهوسلم فإن ضيق الأمر عليه كان يحمله على الفكر والنظر حتى آتاه الله ما هو أكبر من ذلك ، وهو