قال الشهاب : وذكر إثارة الغبار ، للإشارة إلى شدة العدو وكثرة الكرّ والفرّ. وتخصيص الصبح ، لأن الغارة كانت معتادة فيه. أي لمباغتة العدوّ. والغبار إنما يظهر نهارا و (أثرن) معطوف على ما قبله.
قال الناصر : وحكمة الإتيان بالفعل معطوفا على الاسم ، الذي هو العاديات أو ما بعده ، لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل. وحكمة مجيء هذا المعطوف فعلا عن اسم فاعل ، تصوير هذه الأفعال في النفس. فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف. وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة. وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي.
وقوله تعالى : (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) أي فتوسطن ودخلن في وسط جمع من الأعداء ، ففرقنه وشتتنه. يقال : (وسطت القوم) بالتخفيف و (وسطته) بالتشديد و (توسطته) بمعنى واحد. وفي الضمير الوجوه المتقدمة.
قال الإمام رحمهالله : أقسم تعالى بالخيل متصفة بصفاتها التي ذكرها ، آتية بالأعمال التي سردها لينوه بشأنها ويعلي من قدرها في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد. ليعنوا بقنيتها وتدريبها على الكر والفر ، وليحملهم أنفسهم على العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل ، والإغارة بها. ليكون كل واحد منهم مستعدا في أي وقت كان ، لأن يكون جزءا من قوة الأمة إذا اضطرت إلى صدّ عدو. أو بعثها باعث على كسر شوكته. وكان في هذه الآيات القارعات ، وفي تخصيص الخيل بالذكر في قوله : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال : ٦٠] ، وفيما ورد من الأحاديث التي لا تكاد تحصر ـ ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون في مقدمة فرسان الأرض مهارة في ركوب الخيل. ويبعث القادرين منهم على قنية الخيل على التنافس في عقائلها. وأن يكون فن السباق عندهم يسبق بقية الفنون إتقانا. أفليس أعجب العجب أن ترى أمما ، هذا كتابها ، قد أهملت شأن الخيل والفروسية ، إلى أن صار يشار إلى راكبها بينهم بالهزؤ والسخرية؟ وأخذت كرام الخيل تهجر بلادهم إلى بلاد أخرى.
ثم قال : يقسم الله بالخيل صاحبة تلك الصفات التي رفع ذكرها ، ليؤكد الخبر الذي جاء في قوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٨)