(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) أي لكفور. يكفر نعمه ولا يشكرها. أي لا يستعملها فيما ينبغي ليتوصل بها إليه.
قال المهايميّ : أي لكفور ، فيوجب قتله بهذه الخيول وقهره بهذا الغضب. وعن أبي أمامة : الكنود الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أي وإن الإنسان على كنوده ، لشهيد يشهد على نفسه به ، لظهور أثره عليه. فالشهادة مستعارة لظهور آثار كفرانه وعصيانه بلسان حاله.
قال القاشانيّ : لشهادة عقله ونور فطرته إنه لا يقوم بحقوق نعم الله ، ويقصر في جنب الله بكفرانه (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) أي وإنه لحب المال والدنيا وإيثارها ، لقويّ. ولحب تقوى الله وشكر نعمته ضعيف متقاعس وإنه لحب الخير الموصل إلى الحق ، شديد منقبض ، غير هش منبسط. أو اللام للتعليل. أي إنه لأجل حب المال بخيل. فلذلك يحتجب به غارزا رأسه في تحصيله وحفظه وجمعه ومنعه ، مشغولا به عن الحق ، معرضا به عن جنابه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) (١١)
(أَفَلا يَعْلَمُ) أي أبعد هذا الاحتجاب ومخالفة العقل ، ولا يعلم بنور فطرته وقوة عقله (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) أي بعث وأثير ما في القبور وإخراج موتاها (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أي أظهر وأبرز ما في صدورهم ونفوسهم من أسرارهم ونياتهم المكتومة فيها ، من خير أو شر (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) أي عالم بأسرارهم وضمائرهم وأعمالهم. فيجازيهم على حسبها يومئذ. وتقديم الظرف ، إما لمكان نظم السجع ورعاية الفواصل ، أو للتخصيص لوقوع علمه تعالى كناية عن مجازاته. وهي إنما تكون يومئذ.
قال الرازيّ : وإنما خص أعمال القلوب بالتحصيل دون أعمال الجوارح ، لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب. فإنه لو لا البواعث والإرادات في القلوب ، لما حصلت أفعال الجوارح. ولذلك جعلها تعالى الأصل في الذم فقال : (آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة : ٢٨٣] ، والأصل في المدح فقال : (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال : ٢] ، و [الحج : ٣٥].