كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)(٦٠)
قال القرطبي ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) .. استدلال آخر على قدرته ـ تعالى ـ ومعنى (مِنْ ضَعْفٍ) من نطفة ضعيفة ، أو في حال ضعف ، وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر .. وقرأ الجمهور بضم الضاد ، وقرأ عاصم وحمزة بفتحها ، والضعف ـ بالضم والفتح ـ خلاف القوة ، وقيل بالفتح في الرأى ، وبالضم في الجسد ...» (١).
وقال ـ سبحانه ـ : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) ولم يقل خلقكم ضعافا .. للإشعار بأن الضعف هو مادتهم الأولى التي تركب منها كيانهم ، فهو شامل لتكوينهم الجسدى ، والعقلي ، والعاطفى ، والنفسي ... إلخ. أى : الله ـ تعالى ـ بقدرته ، هو الذي خلقكم من ضعف ترون جانبا من مظاهره في حالة طفولتكم وحداثة سنكم ...
(ثُمَّ جَعَلَ) ـ سبحانه ـ (مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) أى : ثم جعل لكم من بعد مرحلة الضعف مرحلة أخرى تتمثل فيها القوة بكل صورها الجسدية والعقلية والنفسية ..
(ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) أى : ثم جعل من بعد مرحلة القوة ، مرحلة ضعف
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٤٦.