آخر ، تعقبه مرحلة أخرى أشد منه في الضعف ، وهي مرحلة الشيب والهرم والشيخوخة التي هي أرذل العمر ، وفيها يصير الإنسان أشبه ما يكون بالطفل الصغير في كثير من أحواله ..
(يَخْلُقُ) ـ سبحانه ـ (ما يَشاءُ) خلقه (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بكل شيء (الْقَدِيرُ) على كل شيء.
فأنت ترى أن هذه الآية قد جمعت مراحل حياة الإنسان بصورها المختلفة.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يقوله المجرمون عند ما يبعثون من قبورهم للحساب فقال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ).
والمراد بالساعة : يوم القيامة ، وسميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من عمر الدنيا ، أو لأنها تقع بغتة ، والمراد بقيامها : حصولها ووجودها ، وقيام الخلائق في ذلك الوقت للحساب أى : وحين تقوم الساعة ؛ ويرى المجرمون أنفسهم وقد خرجوا من قبورهم للحساب بسرعة ودهشة ، يقسمون بأنهم ما لبثوا في قبورهم أو في دنياهم ، غير وقت قليل من الزمان.
قال ابن كثير : يخبر الله ـ تعالى ـ عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأصنام ، وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم ـ أيضا ـ فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة واحدة. ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم ، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم (١).
وقوله : (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) تذييل قصد به بيان ما جبلوا عليه من كذب.
ويؤفكون من الإفك بمعنى الكذب. يقال : أفك الرجل ، إذا صرف عن الخير والصدق أى : مثل هذا الكذب الذي تفوهوا به في الآخرة كانوا يفعلون في الدنيا ، فهم في الدارين لا ينفكون عن الكذب وعن اختلاق الباطل.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله أهل العلم والإيمان في الرد عليهم ، فقال : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ).
أى : وقال الذين أوتوا العلم والإيمان من الملائكة والمؤمنين الصادقين في الرد على هؤلاء المجرمين : لقد لبثتم في علم الله وقضائه بعد مفارقتكم الدنيا إلى يوم البعث ، أى : إلى الوقت الذي حدده ـ سبحانه ـ لبعثكم ، والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) هي
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٣١.