الفصيحة. اى : إن كنتم منكرين للبعث ، فهذا يومه تشاهدونه بأعينكم. ولا تستطيعون إنكاره الآن كما كنتم تنكرونه في الدنيا.
فالجملة الكريمة ، المقصود بها توبيخهم وتأنيبهم على إنكارهم ليوم الحساب.
وقوله (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) زيادة في تقريعهم. أى : فهذا يوم البعث ماثل أمامكم. ولكنكم كنتم في الدنيا لا تعلمون أنه حق وصدق. بل كنتم بسبب كفركم وعنادكم تستخفون به وبمن يحدثكم عنه ، فاليوم تذوقون سوء عاقبة إنكاركم له ، واستهزائكم به.
ولذا قال ـ سبحانه ـ بعد ذلك : (فَيَوْمَئِذٍ) أى : فيوم أن تقوم الساعة ويقف الناس للحساب. (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) أى لا ينفعهم الاعتذار ، ولا يفيدهم علمهم بأن الساعة حق. (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أى : ولا هم يقبل منهم الرجوع إلى الله ـ تعالى ـ بالتوبة والعمل الصالح.
قال الآلوسى : والاستعتاب : طلب العتبى ، وهي الاسم من الإعتاب ، بمعنى إزالة العتب. أى : لا يطلب منهم إزالة عتب الله ـ تعالى ـ وغضبه عليهم ، لأنهم قد حق عليهم العذاب ..» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ موقفهم من القرآن الكريم ، وأنهم لو اتبعوا توجيهاته لنجوا من العذاب المهين ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) ...
أى : وبالله لقد ضربنا للناس في هذا القرآن العظيم ، كل مثل حكيم ، من شأنه أن يهدى القلوب إلى الحق ، ويرشد النفوس إلى ما يسعدها ...
(وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) أى ولئن جئت ـ أيها الرسول ـ هؤلاء المشركين بآية بينة تدل على صدقك فيما تبلغه عن ربك.
(لَيَقُولَنَ) على سبيل التطاول والتبجح (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) أى : ما أنتم إلا متبعون للباطل أيها المؤمنون بما يدعوكم إليه الرسول صلىاللهعليهوسلم.
ثم يعقب ـ سبحانه ـ على هذا التطاول والغرور بقوله : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ). والطبع : الختم على الشيء حتى لا يخرج منه ما هو بداخله ، ولا يدخل فيه ما هو خارج عنه.
أى : مثل هذا الطبع العجيب ، يطبع الله ـ تعالى ـ على قلوب هؤلاء الذين لا يعلمون ،
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ٦١.