وقال له رجل : ألست عبد فلان؟ فما الذي بلغ بك ما أرى من الحكمة؟ فقال لقمان : قدر الله وأداء الأمانة ، وصدق الحديث ، وتركي ما لا يعنيني (١).
ومن أقواله لابنه : يا بنى اتخذ تقوى الله لك تجارة ، يأتك الربح من غير بضاعة.
يا بنى ، لا تكن أعجز من هذا الديك الذي يصوت بالأسحار ، وأنت نائم على فراشك.
يا بنى ، اعتزل الشر كما يعتزلك ، فإن الشر للشر خلق.
يا بنى ، عليك بمجالس العلماء ، وبسماع كلام الحكماء ، فإن الله ـ تعالى ـ يحيى القلب الميت بنور الحكمة.
يا بنى ، إنك منذ نزلت الدنيا استدبرتها ، واستقبلت الآخرة ، ودار أنت إليها تسير ، أقرب من دار أنت عنها ترتحل .. (٢).
وقال الآلوسى ما ملخصه : ولقمان : اسم أعجمى لا عربي وهو ابن باعوراء. قيل : كان في زمان داود ـ عليهالسلام ـ وقيل : كان زمانه بين عيسى وبين محمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ.
ثم قال الآلوسى : وإنى أختار أنه كان رجلا صالحا حكيما ، ولم يكن نبيا (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ.) .. كلام مستأنف مسوق لإبطال الإشراك بالله ـ تعالى ـ عن طريق النقل ، بعد بيان إبطاله عن طريق العقل ، في قوله ـ سبحانه ـ قبل ذلك : (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ.) ...
والحكمة : اكتساب العلم النافع والعمل به. أو هي : العقل والفهم. أو هي الإصابة في القول والعمل.
والمعنى : والله لقد أعطينا ـ بفضلنا وإحساننا ـ عبدنا لقمان العلم النافع والعمل به.
وقوله ـ سبحانه ـ (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) بيان لما يقتضيه إعطاء الحكمة. أى : آتيناه الحكمة وقلنا له أن اشكر لله على ما أعطاك من نعم لكي يزيدك منها.
قال الشوكانى : قوله : (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) أن هي المفسرة : لأن في إيتاء الحكمة معنى القول. وقيل التقدير : قلنا له أن اشكر لي .. وقيل : بأن اشكر لي فشكر ، فكان حكيما بشكره.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٣٦.
(٢) راجع حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤٠٣.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ٨٢.