والشكر لله : الثناء عليه في مقابلة النعمة ـ واستعمالها فيما خلقت له ـ ، وطاعته فيما أمر به (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ حسن عاقبة الشكر وسوء عاقبة الجحود فقال : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
أى : ومن يشكر الله ـ تعالى ـ على نعمه ، فإن نفع شكره إنما يعود إليه ، ومن جحد نعم الله ـ تعالى ـ واستحب الكفر على الإيمان ، فالله ـ تعالى ـ غنى عنه وعن غيره ، حقيق بالحمد من سائر خلقه لإنعامه عليهم بالنعم التي لا تعد ولا تحصى : فحميد بمعنى محمود.
فالجملة الكريمة المقصود بها ، بيان غنى الله ـ تعالى ـ عن خلقه ، وعدم انتفاعه بطاعتهم ، لأن منفعتها راجعة إليهم ، وعدم تضرره بمعصيتهم. وإنما ضرر ذلك يعود عليهم. وعبر ـ سبحانه ـ في جانب الشكر بالفعل المضارع ، للإشارة إلى أن من شأن الشاكرين أنهم دائما على تذكر لنعم الله ـ تعالى ـ ، وإذا ما غفلوا عن ذلك لفترة من الوقت ، عادوا إلى طاعته ـ سبحانه ـ وشكره.
وعبر في جانب الكفر بالفعل الماضي ، للإشعار بأنه لا يصح ولا ينبغي من أى عاقل ، بل كل عاقل عليه أن يهجر ذلك هجرا تاما ، وأن يجعله في خبر كان.
وجواب الشرط محذوف ، وقد قام مقامه قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) والتقدير : ومن كفر فضرر كفره راجع إليه. لأن الله ـ تعالى ـ غنى حميد.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله لقمان لابنه على سبيل النصيحة والإرشاد فقال ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ، يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
وقوله (يَعِظُهُ) من الوعظ ، وهو الزجر المقترن بالتخويف. وقيل : هو التذكير بوجوه الخير بأسلوب يرق له القلب.
قالوا : واسم ابنه «ثاران» أو «ماثان» أى : واذكر ـ أيها العاقل ـ لتعتبر وتنتفع ، وقت أن قال لقمان لابنه وهو يعظه ، ويرشده إلى وجوه الخير بألطف عبارة : يا بنى (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) ـ تعالى ـ لا في عبادتك ، ولا في قولك ، ولا في عملك ، بل أخلص كل ذلك لخالقك ـ عزوجل ـ.
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ٢٣٧.