بأنفسهم. و (مَرَحاً) مصدر وقع موقع الحال على سبيل المبالغة ، أو هو مفعول مطلق لفعل محذوف. أى : تمرح مرحا. والجملة في موضع الحال. أو مفعول لأجله. أى : من أجل المرح.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) تعليل للنهى. والمختال : المتكبر الذي يختال في مشيته ، ومنه قولهم : فلان يمشى الخيلاء. أى يمشى مشية المغرور المعجب بنفسه.
والفخور : المتباهى على الناس بماله أو جاهه أو منصبه .. يقال فخر فلان ـ كمنع ـ فهو فاخر وفخور ، إذا تفاخر بما عنده على الناس ، على سبيل التطاول عليهم ، والتنقيص من شأنهم.
أى : إن الله ـ تعالى ـ لا يحب من كان متكبرا على الناس ، متفاخرا بماله أو جاهه.
ثم أمر بالقصد والاعتدال في كل أموره فقال : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أى وكن معتدلا في مشيك ، بحيث لا تبطئ ولا تسرع. من القصد وهو التوسط في الأمور.
(وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) واخفض من صوتك فلا ترفعه إلا إذا استدعى الأمر رفعه ، فإن غض الصوت عند المحادثة فيه أدب وثقة بالنفس ، واطمئنان إلى صدق الحديث واستقامته.
وكان أهل الجاهلية يتفاخرون بجهارة الصوت وارتفاعه ، فنهى المؤمنون عن ذلك ، ومدح ـ سبحانه ـ الذين يخفضون أصواتهم في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ، أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).
وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) تعليل للأمر بخفض الصوت ، وللنهى عن رفعه بدون موجب.
أى : إن أقبح الأصوات وأبشعها لهو صوت الحمير ، فالجملة الكريمة حض على غض الصوت بأبلغ وجه وآكده ، حيث شبه ـ سبحانه ـ الرافعين لأصواتهم في غير حاجة إلى ذلك ، بأصوات الحمير التي هي مثار السخرية مع النفور منها.
وهكذا نجد أن لقمان قد أوصى ابنه بجملة من الوصايا السامية النافعة ، فقد أمره ـ أولا ـ بإخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ ثم غرس في قلبه الخوف من الله ـ عزوجل ـ ، ثم حضه على إقامة الصلاة ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، وعلى الصبر على الأذى ، ثم نهاه عن الغرور والتكبر والافتخار ، وعن رفع الصوت بدون مقتض لذلك.
وبتنفيذ هذه الوصايا ، يسعد الأفراد ، وترقى المجتمعات.