وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها ، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (١).
ثم أمره بالمحافظة على الصلاة وبالأمر بالمعروف ، وبالنهى عن المنكر وبالصبر على الأذى ، فقال : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) أى : واظب على أدائها في أوقاتها بخشوع وإخلاص لله رب العالمين.
(وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ) أى بكل ما حض الشرع على قوله أو فعله (وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أى : عن كل ما نهى الشرع عن قوله أو فعله.
(وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من الأذى ، فإن الحياة مليئة بالشدائد والمحن والراحة إنما هي في الجنة فقط.
واسم الإشارة في قوله : (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) يعود إلى الطاعات المذكورة قبله.
وعزم الأمور : أعاليها ومكارمها. أو المراد بها ما أوجبه الله ـ تعالى ـ على الإنسان.
قال صاحب الكشاف : (إِنَّ ذلِكَ) مما عزمه الله من الأمور ، أى : قطعه قطع إيجاب وإلزام .. ومنه الحديث : «إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه» ومنه عزمات الملوك ، وذلك أن يقول الملك لبعض من تحت يده ، عزمت عليك إلا فعلت كذا. فإذا قال ذلك لم يكن للمعزوم عليه بد من فعله ، ولا مندوحة في تركه.
وناهيك بهذه الآية مؤذنة بقدم هذه الطاعات ، وأنها كانت مأمورا بها في سائر الأمم ، وأن الصلاة لم تزل عظيمة الشأن ، سابقة القدم على ما سواها (٢).
ثم نهاه عن التكبر والغرور والتعالي على الناس فقال : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ...
والصعر في الأصل : مرض يصيب البعير فيجعله معوج العنق ، والمراد به هنا ، التكبر واحتقار الناس ، ومنه قول الشاعر :
وكنا إذا الجبّار صعر خده |
|
مشينا إليه بالسيوف نعاتبه |
أى : ولا تمل صفحة وجهك عن الناس ، ولا تتعالى عليهم كما يفعل المتكبرون والمغرورون ، بل كن هينا لينا متواضعا ، كما هو شأن العقلاء ..
(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أى : ولا تمش في الأرض مشية المختالين المعجبين
__________________
(١) سورة الأنبياء. الآية ٤٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٩٦.