وقوله (مَعْرُوفاً) صفة لمصدر محذوف. أى : صحابا معروفا. أو منصوب بنزع الخافض. أى : بالمعروف.
ثم أرشد ـ سبحانه ـ إلى وجوب اتباع أهل الحق فقال : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ) ... أى : واتبع ـ أيها العاقل طريق الصالحين من عبادي ، الذين رجعوا إلى بالتوبة والإنابة والطاعة والإخلاص.
(ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) جميعا يوم القيامة ـ أيها الناس ـ (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا ، وأجازى كل إنسان على حسب عمله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
قال القرطبي ما ملخصه : وهاتان الآيتان نزلتا في شأن سعد بن أبى وقاص لما أسلم ، وأن أمه حلفت أن لا تأكل طعاما حتى تموت .. وفيهما دليل على صلة الأبوين الكافرين ، بما أمكن من المال إن كانا فقيرين .. وقد قالت أسماء بنت أبى بكر الصديق ، للنبي صلىاللهعليهوسلم وقد قدمت عليها خالتها وقيل : أمها من الرضاعة : يا رسول الله ، إن أمى قدمت على وهي راغبة أفأصلها؟ قال : «نعم» وراغبة قيل معناه : عن الإسلام ، أو راغبة في الصلة (١).
ثم ذكر ـ سبحانه ـ بقية الوصايا التي أوصى بها لقمان ابنه فقال : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ، فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ ، أَوْ فِي السَّماواتِ ، أَوْ فِي الْأَرْضِ ، يَأْتِ بِهَا اللهُ) ..
والضمير في قوله : (إِنَّها) يعود إلى الفعلة التي يفعلها من خير أو شر. و (تَكُ) مجزوم بسكون النون المحذوفة ، وهو فعل الشرط. والجواب : «يأت بها الله» والمثقال : أقل ما يوزن به الشيء. والخردل : في غاية الصغر والدقة.
والمعنى : يا بنى إن ما تفعله من حسنة أو سيئة ، سواء أكان في نهاية القلة والصغر ، كمثال حبة من خردل ، أم كان هذا الشيء القليل مخبوءا في صخرة من الصخور الملقاة في فجاج الأرض ، أم كان في السموات أم في الأرض ، فإن الله ـ تعالى ـ يعلمه ويحضره ويجازى عليه (إِنَّ اللهَ) ـ تعالى ـ لطيف خبير أى : محيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها ، عظيمها وصغيرها.
فالمقصود من الآية الكريمة ، غرس الهيبة والخشية والمراقبة لله ـ تعالى : لأنه ـ سبحانه ـ لا يخفى عليه شيء في هذا الكون ، مهما دق وقل وتخفى في أعماق الأرض أو السماء.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٦٥.