ثم بين ـ سبحانه ـ أن عقابه للمرتكبين السيئات واقع بهم ، وأنهم إذا ظنوا خلاف ذلك ، فظنهم من باب الظنون السيئة القبيحة ، فقال ـ تعالى ـ : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ).
و «أم» هنا منقطعة بمعنى بل ، والاستفهام للإنكار والتوبيخ ، وقوله : (أَنْ يَسْبِقُونا) سد مسد مفعولي حسب ، وأصل السبق : الفوت والتقدم على الغير. والمراد به هنا : التعجيز ، والمعنى : بل أحسب الذين يعملون الأعمال السيئات كالكفر والمعاصي ، «أن يسبقونا» أى : أن يعجزونا فلا نقدر على عقابهم ، أو أن في إمكانهم أن يهربوا من حسابنا لهم؟ إن كانوا يظنون ذلك فقد : «ساء ما يحكمون» أى : بئس الظن ظنهم هذا ، وبئس الحكم حكمهم على الأمور.
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يدخل السرور والاطمئنان على قلوب عباده المؤمنين الصادقين فقال ـ تعالى ـ : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ ، فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). أى : من كان من الناس يرجو لقاء الله ـ تعالى ـ يوم القيامة لقاء يسره ويرضيه ، ويطمعه في ثوابه وعطائه ، فليثبت على إيمانه ، وليواظب على العمل الصالح ، «فإن أجل الله لآت». أى : فإن الأجل الذي حدده الله ـ تعالى ـ لموت كل نفس وللبعث والحساب ، لآت لا محالة في وقته الذي حدده ـ سبحانه ـ «وهو السميع» لأقوال خلقه «العليم» بما يخفونه وما يعلنونه.
فالرجاء في لقاء الله ، بمعنى الطمع في ثوابه ، ومنهم من فسره بمعنى الخوف من حسابه ـ سبحانه ـ.
قال صاحب الكشاف : لقاء الله : مثل للوصول إلى العاقبة ، من تلقى ملك الموت ، والبعث ، والحساب ، والجزاء ، مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل ، وقد اطلع مولاه على ما كان يأتى ويذر ، فإما أن يلقاه ببشر وترحيب ، لما رضى من أفعاله ، أو بضد ذلك لما سخطه منها ... وقيل : «يرجو» يخاف ، كما في قول الشاعر :
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها ..» (١) |
|
أى : إذا لسعته النحل لم يخف لسعها |
وعلى كلا التفسيرين للرجاء ، فإن الآية الكريمة تبشر المؤمنين بما يدخل السرور على نفوسهم ، وتعدهم بأنهم متى ثبتوا على إيمانهم ، وأحسنوا أعمالهم ، فإن ثوابهم سيظفرون به كاملا غير منقوص ، بفضل الله وإحسانه.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٠٣.