وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) رد على أقوالهم الباطلة.
أى : لا تستمع ـ أيها الرسول الكريم ـ إلى أقاويلهم الفاسدة ، فإن هذا القرآن هو الحق الصادر إليك من ربك ـ عزوجل ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ الحكمة في إرساله صلىاللهعليهوسلم وفي إنزال القرآن عليه فقال : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ).
والإنذار : هو التخويف من ارتكاب شيء تسوء عاقبته. و «ما» نافية. و «نذير» فاعل «أتاهم» و «من» مزيدة للتأكيد.
أى : هذا القرآن ـ يا محمد ـ هو معجزتك الكبرى ، وقد أنزلناه إليك لتنذر قوما لم يأتهم نذير من قبلك بما جئتهم به من هدايات وإرشادات وآداب.
وقد فعلنا ذلك رجاء أن يهتدوا إلى الصراط المستقيم ، ويستقبلوا دعوتك بالطاعة والاستجابة لما تدعوهم إليه.
ولا يقال : إن إسماعيل ـ عليهالسلام ـ قد أرسل إلى آباء هؤلاء العرب الذين أرسل الرسول صلىاللهعليهوسلم إليهم ، لأن رسالة إسماعيل قد اندرست بطول الزمن ، ولم ينقلها الخلف عن السلف ، فكانت رسالة الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى قومه ، جديدة في منهجها وأحكامها وتشريعاتها.
ثم أثنى ـ سبحانه ـ على ذاته ، بما يستحقه من إجلال وتعظيم وتقديس فقال : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.) ...
والأيام جمع يوم ، واليوم في اللغة : مطلق الوقت ، أى : في ستة أوقات لا يعلم مقدارها إلا الله ـ تعالى ـ.
وهو ـ سبحانه ـ قادر على أن يخلق السموات والأرض وما بينهما في لمحة أو لحظة ، ولكنه ـ عزوجل ـ خلقهن في تلك الأوقات ، لكي يعلم عباده التأنى والتثبت في الأمور.
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (سِتَّةِ أَيَّامٍ) قال الحسن : من أيام الدنيا. وقال ابن عباس : إن اليوم من الأيام الستة ، التي خلق الله فيها السموات والأرض ، مقداره ألف سنة من سنى الدنيا .. (١).
وقال بعض العلماء ما ملخصه : وليست هذه الأيام من أيام هذه الأرض التي نعرفها ، إذ
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٨٦.