أيام هذه الأرض ، مقياس زمنى ناشئ من دورة هذه الأرض حول نفسها أمام الشمس مرة ، تؤلف ليلا ونهارا على هذه الأرض .. وهو مقياس يصلح لنا نحن أبناء هذه الأرض الصغيرة الضئيلة. أما حقيقة هذه الأيام الستة المذكورة في القرآن ، فعلمها عند الله. ولا سبيل لنا إلى تحديدها وتعيين مقدارها ، فهي من أيام الله التي يقول عنها : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) إشارة إلى استعلائه وهيمنته على شئون خلقه.
وقال بعض العلماء : وعرش الله ـ تعالى ـ مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم .. وقد ذكر في إحدى وعشرين آية. وذكر الاستواء على العرش في سبع آيات.
أما الاستواء على العرش ، فذهب سلف الأمة ، إلى أنه صفة الله ـ تعالى ـ بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل ، لاستحالة اتصافه ـ سبحانه ـ بصفات المحدثين ، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
وأنه يجب الإيمان بها كما وردت ، وتفويض العلم بحقيقتها إليه ـ تعالى ـ.
قال الإمام مالك : الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة.
وقال محمد بن الحسن : اتفق الفقهاء جميعا على الإيمان بالصفات ، من غير تفسير ولا تشبيه.
وقال الإمام الرازي : إن هذا المذهب هو الذي نقول به ونختاره ونعتمد عليه ..» (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) أى : ليس لكم ـ أيها الناس ـ إذا تجاوزتم حدوده ـ عزوجل ـ (مِنْ وَلِيٍ) أى : من ناصر ينصركم إن أراد عقابكم ، (وَلا شَفِيعٍ) يشفع لكم عنده لكي يعفو عنكم ، أفلا تعقلون هذه المعاني الواضحة ، وتسمعون هذه المواعظ البليغة ، التي من شأنها أن تحملكم على التذكر والاعتبار والطاعة التامة لله رب العالمين.
فالآية الكريمة جمعت في توجيهاتها الحكيمة ، بين مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ ، وبين الترهيب من معصيته ومخالفة أمره ، وبين الحض على التذكر والاعتبار.
__________________
(١) في ظلال القرآن ج ٢١ ص ٥١٠.
(٢) راجع تفسير صفوة البيان ص ٢٦٣ لفضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف.