مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١٤)
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) هذا قول منكري البعث أى : هلكنا وبطلنا وصرنا ترابا. وأصله من قول العرب : ضل الماء في اللبن إذا ذهب. والعرب تقول للشيء غلب عليه غيره حتى خفى فيه أثره : قد ضل ..» (١).
أى : وقال الكافرون على سبيل الإنكار ليوم القيامة وما فيه من حساب أإذا صارت أجسادنا كالتراب واختلطت به ، أنعاد إلى الحياة مرة أخرى ، ونخلق خلقا جديدا ...؟
وقوله ـ سبحانه ـ : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) إضراب وانتقال من حكاية كفرهم بالبعث والحساب إلى حكاية ما هو أشنع من ذلك وهو كفرهم بلقاء الله ـ تعالى ـ الذي خلقهم ورزقهم وأحياهم وأماتهم ... أى : بل هم لانطماس بصائرهم ، واستيلاء العناد والجهل عليهم ، بلقاء ربهم يوم القيامة ، كافرون جاحدون ، لأنهم قد استبعدوا إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم ، مع أن الله ـ تعالى ـ قد أوجدهم ولم يكونوا شيئا مذكورا.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن مردهم إليه لا محالة بعد أن يقبض ملك الموت أرواحهم فقال : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ، ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ).
وقوله (يَتَوَفَّاكُمْ) من التوفي. وأصله أخذ الشيء وافيا تاما. يقال : توفاه الله ، أى : استوفى روحه وقبضها ، وتوفيت مالي بمعنى استوفيته والمراد بملك الموت : عزرائيل.
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ في الرد على هؤلاء الجاحدين : سيتولى قبض أرواحكم عند انتهاء آجالكم ملك الموت الذي كلفه الله ـ تعالى ـ بذلك ثم إلى ربكم ترجعون ، فيجازيكم بما تستحقونه من عقاب ، بسبب كفركم وجحودكم.
وأسند ـ سبحانه ـ هنا التوفي إلى ملك الموت ، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح. وأسنده إلى الملائكة في قوله ـ تعالى ـ (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ) لأنهم أعوان ملك الموت الذين كلفهم الله بذلك.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٩١.