الدين الباطل ، ودخوله في الدين الحق (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ) له أى جعل عذابهم له ، وإيذاءهم إياه (كَعَذابِ اللهِ) أى بمنزلة عذاب الله في الشدة والألم ، فيترتب على ذلك أن يتزلزل إيمانه ، ويضعف يقينه ، بل ربما رجع إلى الكفر بعد الإيمان.
وفي جعل هذا البعض (فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) دليل واضح على ضعف إيمانه ، وفساد تفكيره ، لأن عذاب الناس له دافع ، أما عذاب الله فلا دافع له ، ولأن عذاب الناس يترتب عليه ثواب عظيم ، أما عذاب الله فهو بسبب غضب الله ـ سبحانه ـ على من عصاه ، ولأن عذاب الناس معروف أمده ونهايته أما عذاب الله فلا يعرف أحد مداه أو نهايته.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال هذا الفريق إذا ما منّ الله ـ تعالى ـ على المؤمنين الصادقين بنصر ، فقال : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ ، لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ).
والضمير في قوله : (لَيَقُولُنَ) بضم اللام يعود إلى (مِنَ) في قوله : (مَنْ يَقُولُ). باعتبار معناها ، كما أن إفراد الضمائر العائدة إليها باعتبار لفظها ، أى : هكذا حال ضعاف الإيمان ، عند الشدائد يساوون عذاب الناس بعذاب الله ، ولا يثبتون على إيمانهم أما إذا جاءكم النصر ـ أيها الرسول الكريم ـ فإن هؤلاء الضعاف في إيمانهم ، يقولون بكل ثقة وتأكيد : إنا كنا معكم مشايعين ومؤيدين ، ونحن إنما أكرهنا على ما قلنا ، ومادام الأمر كذلك فأشركونا معكم فيما ترتب على النصر من مغانم وخيرات.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) رد عليهم في دعواهم الإيمان ، وفي قولهم للمؤمنين : (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) والاستفهام لإنكار ما زعموه ، ولتقرير علم الله ـ تعالى ـ الشامل للسر والعلانية.
أى : إن الله ـ تعالى ـ عالم بما في صدور العالمين جميعا من خير وشر ، وإيمان وكفر. وإن هؤلاء الذين يقولون آمنا ، ليس الله ـ تعالى ـ في حاجة إلى قولهم ، فهو ـ سبحانه ـ يعلم السر وأخفى (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ) ـ تعالى ـ علما تاما (الَّذِينَ آمَنُوا) به حق الإيمان (وَلَيَعْلَمَنَ) حال المنافقين ، علما لا يخفى عليه شيء من حركاتهم وسكناتهم. وسيجازيهم بما يستحقون من عقاب. وأكد ـ سبحانه ـ علمه بلام القسم وبنون التوكيد ، للرد على دعاوى ضعاف الإيمان بأقوى أسلوب ، وأبلغه ، حتى يقلعوا عن نفاقهم ، ويتبعوا المؤمنين الصادقين في ثباتهم.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما زعمه أئمة الكفر من دعاوى باطلة ، ورد عليها فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ).
أى : وقال الذين كفروا للذين آمنوا على سبيل التضليل والإغراء : اتبعوا سبيلنا أى