طريقنا الذي وجدنا عليه آباءنا ، وهو عبادة الأصنام ، ولنحمل عنكم خطاياكم يوم القيامة ، إن كان هناك بعث وحساب.
واللام في قوله : (وَلْنَحْمِلْ) لام الأمر ، كأنهم آمرين أنفسهم بذلك ، ليغروا المؤمنين باتباعهم.
أى : اطمئنوا إلى أننا لن نتخلى عنكم ، ولن ننقض عهودنا معكم في حمل خطاياكم لو اتبعتمونا ، أو هو أمر في تأويل الشرط والجزاء. أى : إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم.
وقد رد الله ـ تعالى ـ زعمهم هذا بقوله : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) أى : وما هؤلاء الكافرون بحاملين لشيء من خطايا غيرهم التي زعموا حملها يوم القيامة ، وإنهم لكاذبون في كل أقوالهم.
و (مِنْ) الأولى بيانية ، والثانية لنفى حمل أى خطايا مهما صغرت. وقد جاء التكذيب لهم بهذا الأسلوب المؤكد ، حتى يخرس ألسنتهم ، ويمحو كل أثر من أقوالهم من الأذهان.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن الأمر على عكس ما زعموه فقال : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ). أى : ليس الأمر ـ كما ـ زعموا من أنهم يحملون خطايا المؤمنين ، بل الحق أن أئمة الكفر هؤلاء سيحملون خطاياهم كاملة غير منقوصة ، وسيحملون فوقها خطايا أخرى ، هي خطايا تسببهم في إضلال غيرهم ، وصرفه عن الطريق الحق.
وعبر عن الخطايا بالأثقال ، للإشعار بغاية ثقلها ، وفداحة حملها ، وعظم العذاب الذي يترتب عليها.
(وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) سؤال تأنيب وتوبيخ (عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) أى : عما كانوا يختلقونه في الدنيا من أكاذيب ، وأباطيل ، أدت بهم إلى سوء المصير.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (١).
قال الإمام ابن كثير : وفي الصحيح : «من دعا إلى هدى ، كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة ، كان عليه من الإثم ، مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من آثامهم شيئا» (٢).
* * *
__________________
(١) آية ٢٥ من سورة النحل.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٧٧.