وملخصها ـ كما ذكر الإمام ابن كثير ـ أن نفرا من اليهود ـ على رأسهم حيي بن أخطب ـ خرجوا إلى مكة ، واجتمعوا بأشراف قريش وألبوهم على حرب المسلمين ، فأجابوهم إلى ذلك.
ثم خرجوا إلى قبيلة غطفان فدعوهم لحرب المسلمين ، فاستجابوا لهم ـ ايضا ـ.
وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها ، والجميع في جيش قريب من عشرة آلاف رجل.
وعند ما علم الرسول صلىاللهعليهوسلم بمقدمهم ، أمر بحفر خندق حول المدينة.
ووصلت جيوش الأحزاب إلى مشارف المدينة ، فوجدوا الخندق قد حفر ، وأنه يحول بينهم وبين اقتحامها. كما أن المسلمين كانوا لهم بالمرصاد.
وخلال هذه الفترة العصيبة ، نقض يهود بنى قريظة عهودهم مع المسلمين ، وانضموا إلى جيوش الأحزاب ، فزاد الخطب على المسلمين.
ومكث الأعداء محاصرين للمدينة قريبا من شهر. ثم جاء نصر الله ـ تعالى ـ ، بأن أرسل على جيوش الأحزاب ريحا شديدة ، وجنودا من عنده ، فتصدعت جبهات الأحزاب ، وانكفأت خيامهم ، وملأ الرعب قلوبهم ، (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) (١).
وقد ابتدأ الله ـ تعالى ـ الحديث عن هذه الغزوة ، بنداء وجهه إلى المؤمنين ، ذكرهم فيه بفضله عليهم ، وبرحمته بهم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها).
والمعنى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، (اذْكُرُوا) على سبيل الشكر والاعتبار (نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ورحمته بكم.
(إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) كثيرة ، هي جنود جيوش الأحزاب (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) شديدة زلزلتهم ، وجعلتهم يرحلون عنكم بخوف وفزع.
كما أرسلنا عليهم (جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) وهم الملائكة ، الذين ألقوا الرعب في قلوب أعدائكم.
قالوا : روى أن الله ـ تعالى ـ بعث عليهم ريحا باردة في ليلة باردة ، فألقت التراب في
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٨٥. والسيرة النبوية لابن اسحق ج ٢ ص ٢٢٩.