وجوههم ، وأمر الملائكة فقلعت أوتاد خيامهم ، وأطفأت نيرانهم وقذفت في قلوبهم الرعب .. فقال كل سيد قوم لقومه : يا بنى فلان : النجاء النجاء (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) تذييل قصد به بيان مظهر آخر من مظاهر فضله ـ تعالى ـ عليهم.
أى : جاءتكم تلك الجنود الكثيرة. فأرسلنا عليهم ريحا شديدة ، وأرسلنا عليهم من عندنا جنودا لم تروها ، وكنا فوق كل ذلك مطلعين على أعمالكم من حفر الخندق وغيره وسامعين لدعائكم ، وقد أجبناه لكم ، حيث رددنا أعداءكم عنكم دون أن ينالوا خيرا.
ثم فصل ـ سبحانه ـ ما حدث للمؤمنين في هذه الغزوة ، بعد هذا الإجمال ، فقال : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) أى : من أعلى الوادي من جهة المشرق. والجملة بدل من قوله (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ). والمراد بالذين جاءوا من تلك الجهة : قبائل غطفان وهوازن .. وانضم إليهم بنو قريظة بعد أن نقضوا عهودهم.
(وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أى : ومن أسفل الوادي من جهة المغرب ، وهم قريش ومعهم أحابيشهم وحلفاؤهم.
وقوله : (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) معطوف على ما قبله ، داخل معه في حيز التذكير.
أى : واذكروا وقت أن زاغت أبصاركم ، ومالت عن كل شيء حولها ، وصارت لا تنظر إلا إلى أولئك الأعداء. يقال : زاغ البصر يزيغ زيغا وزيغانا إذا مال وانحرف. ويقال ـ أيضا : زاغ البصر ، إذا مل وتعب بسبب استدامة شخوصه من شدة الهول.
وقوله (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) بيان آخر لما أصاب المسلمين من بلاء بسبب إحاطة جيوش الأحزاب بهم.
والحناجر : جمع حنجرة ، وهي جوف الحلقوم ، والمراد أن قلوبكم فزعت فزعا شديدا ، حتى لكأنها قد انتقلت من أماكنها إلى أعلى ، حتى قاربت أن تخرج من أفواهكم.
فالآية تصور ما أصاب المسلمين من فزع وكرب في غزوة الأحزاب ، تصويرا بديعا مؤثرا ، يرسم حركات القلوب ، وملامح الوجوه ، وخلجات النفوس.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) بيان لما دار في عقولهم من أفكار ، حين رأوا الأحزاب وقد أحاطوا بالمدينة.
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ١٥٦.