فلما بلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لهم : «جراحكم في سبيل الله ومن قتل منكم فإنه شهيد».
ومما زاد في بلاء المسلمين وحزنهم. ما ظهر من أقوال قبيحة من المنافقين. حكاها ـ سبحانه ـ في قوله : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ، ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) أى : واذكروا ـ أيضا ـ أيها المؤمنون ـ وقت أن كشف المنافقون وأشباههم عن نفوسهم الخبيثة وطباعهم الذميمة ، وقلوبهم المريضة ، فقالوا لكم وأنتم في أشد ساعات الحرج والضيق : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) بالنصر والظفر (إِلَّا غُرُوراً) أى : إلا وعدا باطلا ، لا يطابق الواقع الذي نعيش فيه.
وقال أحدهم : إن محمدا كان يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يستطيع أن يذهب إلى الغائط.
(وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) ...
أى : واذكروا ـ كذلك ـ أيها المؤمنون ـ وقت أن قالت لكم طائفة من هؤلاء المنافقين : (يا أَهْلَ يَثْرِبَ) أى : يا أهل المدينة ، لا مقام لكم في هذا المكان الذي تقيمون فيه بجوار الخندق لحماية بيوتكم ومدينتكم ، فارجعوا إلى مساكنكم ، واستسلموا لأعدائكم.
قال الشوكانى : وذلك أن المسلمين خرجوا في غزوة الخندق ، فجعلوا ظهورهم إلى جبل سلع ، وجعلوا وجوههم إلى العدو ، وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم. فقال هؤلاء المنافقون : ليس ها هنا موضع إقامة وأمروا الناس بالرجوع إلى منازلهم بالمدينة (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هؤلاء المنافقين لم يكتفوا بهذا القول الذميم ، بل كانوا يهربون من الوقوف إلى جانب المؤمنين ، فقال ـ تعالى ـ : (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ ، يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً).
أى : أنهم كانوا يحرضون غيرهم على ترك مكانه في الجهاد ، ولا يكتفون بذلك ، بل كان كل فريق منهم يذهب إلى النبي ـ صلى الله عليهم ـ فيستأذنه في الرجوع إلى بيوتهم ، قائلين له : يا رسول الله : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أى : خالية ممن يحرسها. يقال : دار ذات عورة إذا سهل دخولها لقلة حصانتها.
وهنا يكشف القرآن عن حقيقتهم ويكذبهم في دعواهم فيقول (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) أى :
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٦ ص ٢٦٦.