والحال أن بيوتهم ليست كما يزعمون ، وإنما الحق أنهم يريدون الفرار من ميدان القتال ، لضعف إيمانهم ، وجبن نفوسهم.
روى أن بنى حارثة بعثوا أحدهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليقول له : إن بيوتنا عورة ، وليست دار من دور الأنصار مثل دورنا ، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا ، فأذن لنا كي نرجع إلى دورنا ، فمنع ذرارينا ونساءنا. فأذن لهم صلىاللهعليهوسلم.
فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال : يا رسول الله ، لا تأذن لهم ، إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة إلا فعلوا ذلك .. فردهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هؤلاء المنافقين جمعوا لأنفسهم كل نقيض ، فهم يسرعون إلى ما يؤذى المؤمنين ، ويبطئون عما ينفعهم ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها ، وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً).
والضمير في قوله ـ تعالى ـ (دُخِلَتْ) للبيوت أو للمدينة. وفاعل الدخول من يدخل هذه البيوت أو المدينة من أهل الكفر والفساد. وأسند ـ سبحانه ـ الدخول إلى بيوتهم ، للإشعار بأن الأعداء يدخلونها وهم قابعون فيها.
والأقطار : جمع قطر بمعنى الناحية والجانب والجهة.
والمراد بالفتنة هنا ، الردة عن الإسلام أو قتال المسلمين.
وقوله (لَآتَوْها) قرأه الجمهور بالمد بمعنى لأعطوها. وقرأه نافع وابن كثير لأتوها بالقصر ، بمعنى لجاءوها وفعلوها والتلبث : الإبطاء والتأخر.
والمعنى إن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أن بيوتهم عورة ، هم كاذبون في زعمهم ، وهم أصحاب نيات خبيثة ، ونفوس عارية عن كل خير.
والدليل على ذلك ، أن بيوتهم هذه التي يزعمون أنها عورة ، لو اقتحمها عليهم مقتحم من المشركين وهم قابعون فيها ، ثم طلب منهم أن ينضم إليهم في مقاتلة المسلمين ، لسارعوا إلى تلبية طلبه ، ولكانوا مطيعين له كل الطاعة ، وما تأخروا عن تلبية طلبه إلا لمدة قليلة ، يعدون العدة خلالها لقتالكم ـ أيها المسلمون ـ ، وللانسلاخ عن كل رابطة تربطكم بهم. لأن عقيدتهم واهنة ، ونفوسهم مريضة خائرة.
قال صاحب الكشاف : قوله : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ) أى : المدينة. وقيل : بيوتهم. من قولك : دخلت على فلان داره (مِنْ أَقْطارِها) أى. من جوانبها. يريد : ولو دخلت هذه العساكر المتحزبة ـ التي يفرون منها ـ مدينتهم من نواحيها كلها وانثالت على أهاليهم