والأسوة : القدوة. وقرأ عاصم (أُسْوَةٌ) بضم الهمزة. والباقون بكسرها. والجمع أسى وإسى ـ بضم الهمزة وكسرها (١).
يقال : فلان ائتسى بفلان ، إذا اقتدى به ، وسار على نهجه وطريقته.
وقال الإمام ابن كثير : هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسى برسول الله صلىاللهعليهوسلم في أقواله وأفعاله وأحواله ولهذا أمر الناس بالتأسى بالنبي صلىاللهعليهوسلم يوم الأحزاب ، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه ـ تعالى ـ .. (٢).
والذي يقرأ السيرة النبوية الشريفة. يرى أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان في هذه الغزوة بصفة خاصة ، وفي غيرها بصفة عامة القدوة الحسنة الطيبة في كل أقواله وأفعاله وأحواله صلىاللهعليهوسلم.
لقد شارك أصحابه في حفر الخندق ، وفي الضرب بالفأس. وفي حمل التراب بل وشاركهم في أراجيزهم وأناشيدهم ، وهم يقومون بهذا العمل الشاق المتعب.
وشاركهم في تحمل آلام الجوع ، وآلام السهر .. بل كان صلىاللهعليهوسلم هو القائد الحازم الرحيم ، الذي يلجأ إليه أصحابه عند ما يعجزون عن إزالة عقبة صادفتهم خلال حفرهم للخندق.
قال ابن إسحاق ما ملخصه : وعمل المسلمون فيه ـ أى في الخندق ـ حتى أحكموه ، وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له «جعيل» سماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمرا ، فقالوا :
سماه من بعد جعيل عمرا |
|
وكان للبائس يوما ظهرا |
فإذا مروا بعمرو ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «عمرا» وإذا مروا بظهر قال : «ظهرا».
ثم قال ابن إسحاق : وكان في حفر الخندق أحاديث بلغتني فيها تحقيق نبوته صلىاللهعليهوسلم فكان فيما بلغني أن جابر بن عبد الله كان يحدث ، أنهم اشتدت عليهم في بعض الخندق كدية ـ أى صخرة عظيمة ـ ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ، ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية ، فيقول من
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ١٥٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٩٢.