حضرها : فو الذي بعثه بالحق نبيا لانهالت ـ أى : لتفتت ـ حتى عادت كالكثيب ـ أى كالرمل المتجمع ـ لا ترد فأسا ولا مسحاة (١).
وهذه الآية الكريمة وإن كان نزولها في غزوة الأحزاب ، إلا أن المقصود بها وجوب الاقتداء بالرسول صلىاللهعليهوسلم في جميع أقواله وأفعاله ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
والجار والمجرور في قوله ـ سبحانه ـ : (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) متعلق بمحذوف صفة لقوله (حَسَنَةٌ) ، أو بهذا اللفظ نفسه وهو (حَسَنَةٌ).
والمراد بمن كان يرجو الله واليوم الآخر : المؤمنون الصادقون الذين وفوا بعهودهم.
أى : لقد كان لكم ـ أيها الناس ـ قدوة حسنة في نبيكم صلىاللهعليهوسلم ، وهذه القدوة الحسنة كائنة وثابتة للمؤمنين حق الإيمان. الذين يرجون ثواب الله ـ تعالى ـ ، ويؤملون رحمته يوم القيامة ، إذ هم المنتفعون بالتأسى برسولهم صلىاللهعليهوسلم وقوله : (وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) معطوف على (كانَ) ، أى : هذه الأسوة الحسنة بالرسول صلىاللهعليهوسلم ثابتة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر ، ولمن ذكر الله ـ تعالى ـ ذكرا كثيرا ، لأن الملازمة لذكر الله ـ تعالى ـ توصل إلى طاعته والخوف منه ـ سبحانه ـ.
وجمع ـ سبحانه ـ بين الرجاء والإكثار من ذكره ، لأن التأسى التام بالرسول صلىاللهعليهوسلم لا يتحقق إلا بهما.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ـ على سبيل التشريف والتكريم ـ ما قاله المؤمنون الصادقون عند ما شاهدوا جيوش الأحزاب ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً).
واسم الإشارة (هذا) يعود إلى ما رأوه من الجيوش التي جاء بها المشركون ، أو إلى ما حدث لهم من ضيق وكرب بسبب ذلك.
أى : وحين رأى المؤمنون الصادقون جيوش الأحزاب وقد أقبلت نحو المدينة ، لم يهنوا ولم يجزعوا ، بل ثبتوا على إيمانهم وقالوا (هذا) الذي نراه من خطر داهم ، هو ما وعدنا به الله ورسوله ، وأن هذا الخطر سيعقبه النصر ، وهذا الضيق سيعقبه الفرج ، وهذا العسر سيأتى بعده اليسر.
__________________
(١) راجع السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٢٢٩ وما بعدها.