قال الآلوسى ما ملخصه : وأرادوا بقولهم ذلك ، ما تضمنه قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ ، أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ).
وكان نزول هذه الآية قبل غزوة الخندق بحول ـ كما جاء عن ابن عباس.
وفي رواية عن ابن عباس ـ أيضا ـ أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : إن الأحزاب سائرون إليكم تسعا أو عشرا ، أى : في آخر تسع ليال أو عشر ، أى : من وقت الاخبار ، أو من غرة الشهر فلما رأوهم قد أقبلوا في الموعد الذي حدده صلىاللهعليهوسلم قالوا ذلك (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) داخل في حيز ما قالوه.
أى : قالوا عند ما شاهدوا جيوش الأحزاب : هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وقالوا ـ أيضا ـ على سبيل التأكيد وقوة اليقين والتعظيم لذات الله ، ولشخصية رسوله : وصدق الله ورسوله ، أى : وثبت صدق الله ـ تعالى ـ في أخباره ، وصدق رسوله صلىاللهعليهوسلم في أقواله.
والضمير في قوله : (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) يعود إلى ما رأوه من جيوش الأحزاب ، ومن شدائد نزلت بهم بسبب ذلك.
أى ـ وما زادهم ما شاهدوه من جيوش الأحزاب ، ومن بلاء أحاط بهم بسبب ذلك ، إلا إيمانا بقدرة الله ـ تعالى ـ وتسليما لقضائه وقدره ، وأملا في نصره وتأييده.
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى هذا المديح لهم ، مديحا آخر فقال : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ، وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) والنحب : النذر ، وهو أن يلتزم الإنسان الوفاء بأمر تعهد به.
وقضاؤه : الفراغ منه ، والوفاء به على أكمل وجه.
وكان رجال من الصحابة قد نذروا ، أنهم إذا صاحبوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حرب ، أن يثبتوا معه ، وأن لا يفروا عنه.
والمعنى : من المؤمنين رجال كثيرون ، وفوا أكمل وفاء بما عاهدوا الله ـ تعالى ـ عليه ، من التأييد لرسوله صلىاللهعليهوسلم ومن الثبات معه في كل موطن.
(فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أى : فمنهم من وفى بوعده حتى أدركه أجله فمات شهيدا ـ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ١٦٩.