قال الجمل : وقوله : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) جوابه محذوف ، وكذلك مفعول (شاءَ) محذوف ـ أيضا ـ أى : إن شاء تعذيبهم عذبهم.
والمراد بتعذيبهم إماتتهم على النفاق ، بدليل العطف في قوله (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (١).
(إِنَّ اللهَ) ـ تعالى ـ (كانَ) وما زال (غَفُوراً رَحِيماً) أى : واسع المغفرة والرحمة لمن يشاء من عباده.
ثم بين ـ سبحانه ـ المصير السيئ الذي انتهى إليه الكافرون فقال : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً).
أى : ورد الله ـ تعالى ـ بفضله وقدرته الذين كفروا عنكم ـ أيها المؤمنون ـ حالة كونهم متلبسين بغيظهم وحقدهم. دون أن ينالوا أى خير من إتيانهم إليكم ، بل رجعوا خائبين خاسرين.
فقوله (بِغَيْظِهِمْ) حال من الموصول ، والباء للملابسة ، وجملة (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) حال ثانية من الموصول أيضا.
وقوله : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بيان للمنة العظمى التي امتن بها ـ سبحانه ـ عليهم.
أى : وأغنى الله ـ تعالى ـ بفضله وإحسانه المؤمنين عن متاعب القتال وأهواله بأن أرسل على جنود الأحزاب ريحا شديدة ، وجنودا من عنده.
(وَكانَ اللهُ) ـ تعالى ـ (قَوِيًّا) على إحداث كل أمر يريده (عَزِيزاً) أى : غالبا على كل شيء.
قال ابن كثير : وفي قوله (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش. وهكذا وقع بعدها ، لم يغزهم المشركون ، بل غزاهم المسلمون في بلادهم.
قال محمد بن إسحاق : لما انصرف أهل الخندق عن الخندق ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما بلغنا : «لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ، ولكنكم تغزونهم» فلم تغز قريش بعد ذلك المسلمين ، وكان صلىاللهعليهوسلم هو الذي يغزوهم بعد ذلك ، حتى فتح الله عليه مكة.
وروى الإمام أحمد عن سليمان بن صرد قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول يوم
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤٣١.