الأحزاب : «الآن نغزوهم ولا يغزونا» (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الحديث عن غزوة الأحزاب ، ببيان ما حل ببني قريظة من عذاب مهين ، بسبب نقضهم لعهودهم فقال : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ).
والصياصي : جمع صيصية وهي كل ما يتحصن به من الحصون وغيرها. ومنه قيل لقرن الثور صيصية لأنه يدفع به عن نفسه.
أى : وبعد أن رحلت جيوش الأحزاب عنكم أيها المؤمنون ـ أنزل الله ـ تعالى ـ بقدرته الذين ظاهروهم وناصروهم عليكم ، وهم يهود بنى قريظة ، أنزلهم من حصونهم ، ومكنكم من رقابهم.
(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) الشديد منكم ، بحيث صاروا مستسلمين لكم ، ونازلين على حكمكم.
(فَرِيقاً) منهم (تَقْتُلُونَ) وهم الرجال. وتأسرون فريقا آخر وهم الذرية والنساء.
(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ) أى : وأورثكم الله ـ تعالى ـ أرض هؤلاء اليهود وزروعهم كما أورثكم (دِيارَهُمْ) أى حصونهم (وَأَمْوالَهُمْ) التي تركوها من خلفهم ، كنقودهم ومواشيهم.
كما أورثكم (أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) بعد يقصد القتال وهي أرض خيبر ، أو أرض فارس والروم.
وفي هذه الجملة الكريمة (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) بشارة عظيمة للمؤمنين ، بأن الله ـ تعالى ـ سينصرهم على أعدائهم.
(وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) لأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء.
أخرج الشيخان عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : «لما رجع النبي صلىاللهعليهوسلم من الخندق ، ووضع السلاح واغتسل ، أتاه جبريل فقال : يا محمد قد وضعت السلاح ، والله ما وضعناه فاخرج إليهم فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : فإلى أين؟ قال : هاهنا. وأشار إلى بنى قريظة. فخرج النبي صلىاللهعليهوسلم إليهم».
وعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يوم الأحزاب ، لا يصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة ، فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٩٦.